إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَمَا بِكُم مِّن نِّعۡمَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيۡهِ تَجۡـَٔرُونَ} (53)

{ وَمَا بِكُم } أي : أيُّ شيء يلابسكم ويصاحبكم { مِن نّعْمَةٍ } ، أية نعمةٍ كانت ، { فَمِنَ الله } فهي من الله ، فما شرطيةٌ ، أو موصولة متضمّنة لمعنى الشرط ، باعتبار الإخبارِ دون الحصول ، فإن ملابسةَ النعمةِ بهم سببٌ للإخبار بأنها منه تعالى ، لا لكونها منه تعالى { ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضر } مِساساً يسيراً . { فَإِلَيْهِ تَجْأرُونَ } : تتضرعون في كشفه لا إلى غيره ، والجُؤار رفعُ الصوت بالدعاء والاستغاثة ، قال الأعشى : [ المتقارب ]

يراوِحُ من صلَواتِ الملي *** ك طوراً سجوداً وطوراً جؤارا

وقرئ تَجَرون بطرح الهمزة وإلقاءِ حركتها إلى ما قبلها ، وفي ذكر المِساس المُنْبئ عن أدنى إصابةٍ ، وإيرادِه بالجملة الفعلية المعربةِ عن الحدوث ، مع ثم الدالةِ على وقوعه بعد برهةٍ من الدهر ، وتحليةِ الضُّر بلام الجنس المفيدةِ لمساس أدنى ما ينطلق عليه اسمُ الجنس ، مع إيراد النعمةِ بالجملة الاسميةِ الدالةِ على الدوام ، والتعبير عن ملابستها للمخاطبين بباء المصاحبة ، وإيرادِ ( ما ) المعربةَ عن العموم ، ما لا يخفى من الجزالة والفخامة ، ولعل إيرادَ إذا دون إن ؛ للتوسل به إلى تحقق وقوع الجواب .