إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَمَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِۖ وَمَن يُضۡلِلۡ فَلَن تَجِدَ لَهُمۡ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِهِۦۖ وَنَحۡشُرُهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ عُمۡيٗا وَبُكۡمٗا وَصُمّٗاۖ مَّأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ كُلَّمَا خَبَتۡ زِدۡنَٰهُمۡ سَعِيرٗا} (97)

{ وَمَن يَهْدِ الله } كلامٌ مبتدأٌ يفصل ما أشار إليه الكلامُ السابق من مجازاة العبادِ إشارةً إجماليةً ، أي من يهدِه الله إلى الحق بما جاء من قبله من الهدى { فَهُوَ المهتد } إليه وإلى ما يؤدّي إليه من الثواب أو المهتدِ إلى كل مطلوب { وَمَن يُضْلِلِ } أي يخلُقْ فيه الضلالَ بسوء اختيارِه كهؤلاء المعاندين { فَلَن تَجِدَ لَهُمْ } أوثر ضميرُ الجماعة اعتباراً لمعنى ( مَنْ ) غِبّ ما أوثر في مقابله الإفرادُ نظراً إلى لفظها تلويحاً بوَحدة طريقِ الحقِّ وقلةِ سالكيه وتعددِ سبلِ الضلال وكثرةِ الضلال { أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ } من دون الله تعالى أي أنصاراً يهدونهم إلى طريق الحقِّ أو إلى طريق يوصلهم إلى مطالبهم الدنيويةِ والأخروية ، أو إلى طريق النجاةِ من العذاب الذي يستدعيه ضلالُهم ، على معنى لن تجدَ لأحد منهم وليًّا على ما تقتضيه قضيةُ مقابلةِ الجمعِ بالجمع من انقسام الآحادِ إلى الآحاد { وَنَحْشُرُهُمْ } التفاتٌ من الغَيبة إلى التكلم إيذاناً بكمال الاعتناءِ بأمر الحشرِ { يَوْمُ القيامة عَلَى وُجُهِهِمْ } على وجوههم أو مشياً ، فقد روي أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف يمشون على وجوههم ؟ قال :

« إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادرٌ على أن يُمشِيَهم على وجوههم » { عُمْيًا } حال من الضمير المجرورِ في الحال السابقة { وَبُكْمًا وَصُمّا } لا يُبصِرون ما يُقِرّ أعينَهم ولا ينطِقون ما يُقبل منهم ولا يسمعون ما يُلذّ مسامعَهم لما قد كانوا في الدنيا لا يستبصرون بالآيات والعبرِ ولا ينطِقون بالحق ولا يستمعونه ، ويجوز أن يُحشَروا بعد الحسابِ من الموقف إلى النار مُوفَيْ القُوى والحواسّ وأن يحشروا كذلك ثم يعاد إليهم قواهم وحواسُّهم ، فإن إدراكاتِهم بهذه المشاعرِ في بعض المواطنِ مما لا ريب فيه { مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } إما حالٌ أو استئنافً وكذا قوله تعالى : { كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا } أي كلما سكن لهبُها بأن أكلت جلودَهم ولحومَهم ولم يبق فيهم ما تتعلق به النارُ وتحرِقه زدناهم توقداً بأن بدّلناهم جلوداً غيرَها فعادت ملتهبةً ومستعرةً ، ولعل ذلك عقوبةٌ لهم على إنكارهم الإعادةَ بعد الفناءِ بتكريرها مرةً بعد أخرى ليرَوها عِياناً حيث لم يعلموها برهاناً كما يفصح عنه قوله تعالى : { ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا } .