إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{يُؤۡتِي ٱلۡحِكۡمَةَ مَن يَشَآءُۚ وَمَن يُؤۡتَ ٱلۡحِكۡمَةَ فَقَدۡ أُوتِيَ خَيۡرٗا كَثِيرٗاۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (269)

{ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ } قال مجاهد الحِكمةُ هي القرآنُ والعلمُ والفِقهُ . روي عن ابن أبي نجيح أنها الإصابة في القول والعمل ، وعن إبراهيم النخعي أنها معرفة معاني الأشياء وفهمُها وقيل : هي معرفةُ حقائِقِ الأشياءِ وقيل : هي الإقدامُ على الأفعال الحسنةِ الصائبة . وعن مقاتل أنها تفسر في القرآن بأربعة أوجهٍ : فتارةً بمواعظِ القرآنِ وأخرى بما فيه من عجائب الأسرار ، ومرةً بالعلم والفهم وأخرى بالنبوة ولعل الأنسبَ بالمقام ما ينتظم الأحكامَ المبينة في تضاعيف الآياتِ الكريمةِ من أحد الوجهين الأولين ومعنى إيتائِها تبيينُها والتوفيقُ للعلم والعمل بها أي يبينها ويوفِّقُ للعلم والعمل بها { مَن يَشَاء } من عباده أن يؤتيها إياه بموجب سعةِ فضلِه وإحاطةِ علمه كما آتاكم ما بيّنه في ضمن الآي من الحِكَم البالغة التي يدور عليها فلَكُ منافعِكم فاغتنموها وسارعوا إلى العمل بها ، والموصولُ مفعول ، أول ليؤتي قدم عليه الثاني للعناية به والجملةُ مستأنفة مقرّرةٌ لمضمون ما قبلها { وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ } على بناء المفعول وقرئ على البناء للفاعل أي ومن يؤتهِ اللَّهُ الحكمةَ والإظهارُ في مقام الإضمار لإظهار الاعتناءِ بشأنها وللإشعار بعِلة الحِكم { فَقَدْ أُوتِي خَيْرًا كَثِيرًا } أي أيَّ خيرٍ كثير فإنه قد خِيرَ له خيرُ الدارين { وَمَا يَذَّكَّرُ } أي وما يتعظ بما أوتي من الحكمة أو وما يتفكر فيها { إِلاَّ أُوْلُواْ الألباب } أي العقولِ الخالصةِ عن شوائب الوهم والرّكونِ إلى مشايعة الهوى وفيه من الترغيب في المحافظة على الأحكام الواردةِ في شأن الإنفاق ما لا يخفى ، والجملةُ إما حالٌ أو اعتراضٌ تذييلي .