إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَنَضَعُ ٱلۡمَوَٰزِينَ ٱلۡقِسۡطَ لِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡسٞ شَيۡـٔٗاۖ وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَيۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ} (47)

وقوله تعالى : { وَنَضَعُ الموازين القسط } بيانٌ لما سيقع عند إتيانِ ما أُنذروه ، أي نقيم الموازينَ العادلةَ التي توزن بها صحائفُ الأعمال ، وقيل : وضعُ الموازين تمثيلٌ لإرصاد الحسابِ السويِّ والجزاء على حسب الأعمال ، وقد مر تفصيلُ ما فيه من الكلام في سورة الأعراف ، وإفرادُ القسطِ لأنه مصدرٌ وُصفَ به مبالغةً { لِيَوْمِ القيامة } التي كانوا يستعجلونها أي لجزائه أو لأجل أهلِه أو فيه كما في قولك : جئت لخمسٍ خلَوْن من الشهر { فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ } من النفوس { شَيْئاً } حقاً من حقوقها أو شيئاً ما من الظلم ، بل يوفى كلُّ ذي حق حقَّه إن خيراً فخيرٌ وإن شرًّا فشر ، والفاء لترتيب انتفاء الظلم على وضع الموازين { وَإِن كَانَ } أي العملُ المدلولُ عليه بوضع الموازين { مِثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ } أي مقدارَ حبة كائنةٍ من خردل ، أي وإن كان في غاية القِلة والحَقارة فإن حبةَ الخردل مَثَلٌ في الصِغر ، وقرئ مثقالُ حبة بالرفع على أن كان تامةٌ { أَتَيْنَا بِهَا } أي أحضرنا ذلك العملَ المعبَّر عنه بمثقال حبةِ الخردل للوزن ، والتأنيث لإضافته إلى الحبة وقرئ آتينا بها أي جازينا بها من الإيتاء بمعنى المجازاة والمكافأةِ لأنهم أتَوه بالأعمال وأتاهم بالجزاء ، وقرئ أثبنا من الثواب وقرئ جئنا بها { وكفى بِنَا حاسبين } إذ لا مزيدَ على علمنا وعدْلِنا .