إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{۞وَأَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّـٰحِمِينَ} (83)

{ وَأَيُّوبَ } الكلام فيه كما مر في قوله تعالى : { وَدَاودَ وسليمان } أي واذكر خبرَ أيوبَ { إِذْ نادى رَبَّهُ أَنّي } أي بأني { مَسَّنِيَ الضر } وقرئ بالكسر على إضمار القولِ أو تضمينِ النداء معناه ، والضرُّ شائع في كل ضررٍ وبالضم خاص بما في النفس من مرض وهُزال ونحوهما { وَأَنتَ أَرْحَمُ الرحمين } وصفه تعالى بغاية الرحمةِ بعد ما ذكر نفسه بما يوجبها واكتفى به عن عرض المطلب لطفاً في السؤال ، وكان عليه السلام رومياً من ولد عيص بن إسحاقَ استنبأه الله تعالى وكثُر أهلُه وماله فابتلاه الله تعالى بهلاك أولادِه بهدم بيت عليهم وذهابِ أمواله والمرضِ في بدنه ثمانيَ عشرةَ سنة ، أو ثلاثَ عشرةَ سنة ، أو سبعاً وسبعةَ أشهر وسبعة أيام وسبعَ ساعات ، روي أن امرأتَه ماخيرَ بنتَ ميشا بنِ يوسفَ عليه السلام أو رحمةَ بنتَ أفرايمَ بنِ يوسف قالت له يوماً : لو دعوتَ الله تعالى ، فقال : كم كانت مدةُ الرخاء ؟ فقالت : ثمانين سنة ، فقال : أستحيي من الله تعالى أن أدعوَه وما بلغتْ مدةُ بلائي مدةَ رخائي ، وروي أن إبليسَ أتاها على هيئة عظيمة فقال : أنا إله الأرضِ فعلتُ بزوجك ما فعلت لأنه تركني وعبدَ إله السماء ، فلو سجد لي سجدةً لرددتُ عليه وعليك جميعَ ما أخذتُ منكما ، وفي رواية : لو سجدتِ لي سجدةً لرَجعتُ المالَ والولد وعافيتُ زوجَك ، فرجعت إلى أيوبَ وكان ملْقًى في الكُناسة لا يقرُب منه أحدٌ فأخبرته بالقصة فقال عليه السلام : كأنك افتُتِنْتِ بقول اللعين لئن عافاني الله عز وجل لأضرِبنّك مائة سَوْط وحرامٌ عليّ أن أذوق بعد هذا شيئاً من طعامك وشرابِك ، فطردها فبقيَ طريحاً في الكُناسة لا يحوم حوله أحدٌ من الناس فعند ذلك خر ساجداً فقال : ربّ إني مسّنيَ الضرُّ وأنت أرحمُ الراحمين .

83