إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبٗا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقۡدِرَ عَلَيۡهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبۡحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (87)

{ وَذَا النون } أي واذكر صاحب الحوت وهو يونسُ عليه السلام { إِذ ذَّهَبَ مغاضبا } أي مراغِماً لقومه لمّا برِمَ من طول دعوته إياهم وشدةِ شكيمتهم وتمادي إصرارِهم مهاجراً عنهم قبل أن يؤمر ، وقيل : وعدَهم بالعذاب فلم يأتِهم لميعادهم بتوبتهم ولم بعرف الحال فظن أنه كذّبهم فغضِب من ذلك ، وهو من بناء المغالبة للمبالغة أو لأنه أغضبهم بالمهاجَرة لخوفهم لحوقَ العذاب عندما وقرئ مُغضَباً { فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } أي لن نضيّقَ عليه أو لن نقضيَ عليه بالعقوبة من القدر ، ويؤيده أنه قرئ مشدداً أو لن نُعمِل فيه قدرتَنا ، وقيل : هو تمثيلٌ لحاله بحال مَنْ يظن أن لن نقدر عليه أي نعامله معاملةَ من يظن أن لن نقدر عليه في مراغمته قومَه من غير انتظار لأمرنا كما في قوله تعالى : { أيَحْسَبُ أَن مَالَهُ أَخْلَدَهُ } أي نعامله معاملةَ من يحسَب ذلك ، وقيل : خطرةٌ شيطانية سبقت إلى وهمه فسُمّيت ظنًّا للمبالغة ، وقرئ بالياء مخففاً ومثقلاً مبنياً للمفعول { فنادى } الفاءُ فصيحة أي فكان ما كان من المساهمة والتقامِ الحوت فنادى { في الظلمات } أي في الظلمة الشديدةِ المتكاثفة أو في ظلمات بطنِ الحوتِ والبحرِ والليل ، وقيل : ابتلع حوتَه حوتٌ أكبرُ منه فحصل في ظلمتي بطني الحوتين وظلمتي البحر والليل { أَن لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ } أي بأنه لا إله إلا أنت على أنّ أنْ مخففةٌ من أنّ وضميرُ الشأن محذوف ، أو أي لا إله إلا أنت على أنها مفسّرة { سبحانك } أنزهك تنزيهاً لائقاً بك من أن يُعجزك شيءٌ أو أن يكون ابتلائي بهذا بغير سبب من جهتي { إِنّي كُنتُ مِنَ الظالمين } لأنفسهم بتعريضها للهلكة حيث بادرت إلى المهاجرة .