إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المؤمنون مكية وهي عند البصريين مائة وتسع عشرة آية وعند الكوفيين مائة وثماني عشرة آية .

{ قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون } الفلاحُ الفوزُ بالمرام والنجاةُ من المكروه ، وقيل : البقاءُ في الخير والإفلاحُ الدُّخولُ في ذلكَ كالإبشارِ الذي هو الدخولُ في البشارةِ وقد يجيءُ متعدياً بمعنى الإدخال فيه وعليه قراءةُ مَن قرأ على البناء للمفعول . وكلمةُ قد هاهنا لإفادةِ ثبوتِ ما كان متوقعَ الثُّبوتِ من قبلُ لا متوقعَ الإخبارِ به ضرورةَ أنَّ المتوقعَ من حال المؤمنينَ ثبوتُ الفلاحِ لهم لا الإخبارُ بذلك فالمعنى قد فازوا بكلِّ خيرٍ ونجوا من كلِّ ضيرٍ حسبما كان ذلك متوقعاً من حالِهم فإنَّ إيمانَهم وما تفرَّعَ عليه من أعمالهم الصالحةِ من دواعي الفلاحِ بموجب الوعدِ الكريمِ خلا أنَّه إنْ أُريد بالإفلاح حقيقةُ الدُّخولِ في الفلاح الذي لا يتحققُ إلا في الآخرة فالإخبارُ به على صيغة الماضي للدِّلالة على تحققه لا محالةَ بتنزيله منزلةَ الثابتِ وإنْ أُريد كونُهم بحالٍ تستتبعُه البتةَ فصيغةُ الماضي في محلِّها . وقرئ أفلحُوا على الإبهامِ والتفسيرِ أو على أكلوني البراغيثُ . وقرئ أفلحُ بضمة اكتفَى بها عن الواوِ كما في قولِ من قال :

ولو أنَّ الأطبَّا كانُ حَولي *** . . . . . . . .

والمرادُ بالمؤمنينَ إمَّا المصدِّقون بما عُلمَ ضرورة أنَّه من دينِ نبينا صلى الله عليه وسلم من التَّوحيدِ والنبوةِ والبعثِ والجزاءِ ونظائرِها .