إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ هُوَ خَيۡرٗا لَّهُمۖ بَلۡ هُوَ شَرّٞ لَّهُمۡۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِۦ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ وَلِلَّهِ مِيرَٰثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (180)

{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الذين يَبْخَلُونَ بِمَا آتاهم الله مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ } بيانٌ لحال البخلِ ووخامةِ عاقبتِه وتخطئةٌ لأهله في توهم خِيرتِه حسَبَ بيانِ حالِ الإملاءِ ، وإيرادُ ما بخِلوا به ، بعنوان إيتاءِ الله تعالى إياه من فضله ، للمبالغة في بيان سوءِ صنيعِهم فإن ذلك من موجبات بَذلِه في سبيله كما في قوله تعالى : { وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ } [ الحديد ، الآية 7 ] والفعلُ مسندٌ إلى الموصول ، والمفعولُ الأولُ محذوفٌ لدِلالة الصلةِ عليه ، وضميرُ الفصل راجعٌ إليه أي لا يحسَبن الباخلون بما آتاهم الله من فضله من غير أن يكون لهم مَدخلٌ فيه أو استحقاقٌ له هو خيراً لهم من إنفاقه ، وقيل : الفعلُ مسندٌ إلى ضمير النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى ضمير من يحسَبُ ، والمفعولُ الأولُ هو الموصولُ بتقدير مضافٍ ، والثاني ما ذُكر كما هو كذلك على قراءة الخِطاب أي ولا تحسبن بخلَ الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم { بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ } التنصيصُ على شرِّيته لهم مع إدراكها من نفي خيريّتِه للمبالغة في ذلك ، والتنوينُ للتفخيم ، وقوله تعالى : { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ القيامة } بيانٌ لكيفية شرِّيته أي سيلزَمون وبالَ ما بخِلوا به من الزكاة حيةً في عنقه تنهشُه من قَرنه إلى قدمه وتنقُر رأسَه وتقول : أنا مالُك . { وَللَّهِ } وحده لا لأحد غيرِه استقلالاً أو اشتراكاً { مِيرَاثُ السماوات والأرض } أي ما يتوارثه أهلُهما من مال وغيرِه من الرسالات التي يتوارثها أهلُ السماواتِ والأرض فما لهم يبخلون عليه بمُلكه ولا يُنفقونه في سبيله ؟ أو أنه يرث منهم ما يُمسِكونه ولا ينفقونه في سبيله تعالى عند هلاكِهم وتدوم عليهم الحسرةُ والندامة { والله بِمَا تَعْمَلُونَ } من المنع والبخلِ { خَبِيرٌ } فيجازيكم على ذلك . وإظهارُ الاسمِ الجليلِ في موضع الإضمارِ لتربية المهابةِ ، والالتفاتُ للمبالغة في الوعيد ، والإشعارِ باشتداد غضبِ الرحمان الناشئ من ذكر قبائحِهم ، وقرئ بالياء على الظاهر .