إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَقَالُوٓاْ أَءِذَا ضَلَلۡنَا فِي ٱلۡأَرۡضِ أَءِنَّا لَفِي خَلۡقٖ جَدِيدِۭۚ بَلۡ هُم بِلِقَآءِ رَبِّهِمۡ كَٰفِرُونَ} (10)

{ وَقَالُواْ } كلامٌ مستأنفٌ مسوقٌ لبيانِ أباطيلِهم بطريق الالتفاتِ وإيذاناً بأنَّ ما ذُكر من عدمِ شكرِهم بتلك النِّعمِ موجبٌ للإعراضِ عنهم وتعديدِ جناياتِهم لغيرِهم بطريقِ المباثةِ { أَئذَا ضَلَلْنَا فِي الارض } أي صِرنا ترُاباً مخلوطاً بترابِها بحيثُ لا نتميَّز منه أو غبنا فيها بالدَّفنِ . وقرئ ضلِلنا بكسرِ اللامِ من بابِ عَلِمَ وصلِلنا بالصاد المهلمةِ من صلَّ اللحمُ إذا أنتنَ وقيل : من الصِّلةِ وهي الأرضُ أي صرنا من جنسِ الصِّلَّةِ قيل : القائلُ أبيُّ ابنُ خَلَفٍ ، ولرضاهم بقولِه أُسند القولُ إلى الكلِّ . والعاملُ في إذا ما يدلُّ عليه قولُه تعالى { أئنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } وهو نبعثُ أو يُجدد خلقَنا ، والهمزةُ لتذكيرِ الإنكارِ السَّابقِ وتأكيدِه . وقرئ إنَّا على الخبرِ ، وأيّاً ما كان فالمَعنى على تأكيدِ الإنكارِ لا إنكارٍ التَّأكيد كما هو المُتبادر من تقدمِ الهمزةِ على إنَّ فإنها مؤخَّرةٌ عنها في الاعتبارِ وإنَّما تقديمها عليها لاقتضائِها الصَّدارةَ { بَلْ هُم بِلَقَاء رَبّهِمْ كافرون } إضرابٌ وانتقالٌ من بيانِ كفرِهم بالبعثِ إلى بيانِ ما هُو أبلغُ وأشنعُ منه وهو كفرُهم بالوصولِ إلى العاقبةِ وما يلقَونه فيها من الأحوالِ والأهوالِ جميعاً .