إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَٱلتَّـٰلِيَٰتِ ذِكۡرًا} (3)

وأمَّا ذِكراً في قولهِ تعالى : { فالتاليات ذِكْراً } فمفعولُ التَّالياتِ ذكراً عظيمَ الشَّأنِ من آياتِ اللَّهِ تعالى وكتبهِ المنزَّلةِ على الأنبياءِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ وغيرِها من التَّسبيحِ والتَّقديسِ والتَّحميدِ والتَّمجيدِ وقيل هو أيضاً مصدرٌ مؤكِّد لما قبلَه فإنَّ التِّلاوةَ من بابِ الذِّكرِ ثم إنَّ هذه الصِّفاتِ إنْ أُجريتْ على الكلِّ فعطفُها بالفاءِ للدِّلالةِ على ترتُّبها في الفضلِ إمَّا بكونِ الفضلِ للصَّفِ ثمَّ للزَّجرِ ثمَّ للتِّلاوةِ أو على العكسِ ، وإن أُجريت كلُّ واحدة منهنَّ على طوائفَ معيَّنةٍ فهو للدِّلالةِ على ترتُّبِ الموصوفاتِ في مراتب الفضل بمعنى أنَّ طوائفَ الصَّافَّاتِ ذواتُ فضل والزَّاجراتُ أفضلُ والتَّالياتُ أبهرُ فضلاً أو على العكس . وقيل المرادُ بالمذكوراتِ نفوسُ العلماءِ العمَّالِ الصَّافَّاتُ أنفسَها في صفوف الجماعاتِ وأقدامها في الصَّلواتِ الزَّاجراتُ بالمواعظ والنَّصائحِ التَّالياتُ آياتِ الله تعالى الدَّارساتُ شرائعه وأحكامَه . وقيل طوائفُ الغُزاة الصَّافَّات أنفسَهم في مواطنِ الحروبِ كأنَّهم بنيانٌ مرصوصٌ . أو طوائفُ قُوَّادِهم الصَّافَّاتُ لهم فيها الزَّاجراتُ الخيلَ للجهادِ سوقاً والعدوَّ في المعارك طَرْداً التَّالياتُ آياتِ اللَّهِ تعالى وذكره وتسبيحَه في تضاعيفِ ذلك . والكلامُ في العطفِ ودلالتهِ على ترتُّبِ الصِّفاتِ في الفضلِ أو ترتُّب موصوفاتِها فيه كالذي سلفَ ، وأمَّا الدِّلالةُ على التَّرتُّبِ في الوجودِ كما في قوله : [ السريع ]

يا لهفَ زبَّانةَ للحارث *** الصابحِ فالغانمِ فالآيبِ{[687]}

فغيرُ ظاهرةٍ في شيءٍ من الطَّوائفِ المذكورة ، فإنَّه لو سُلِّم تقدُّمُ الصَّفِ على الزَّجرِ في الملائكةِ والغزاةِ فتأخُّرُ التِّلاوةِ عن الزَّجرِ غيرُ ظاهرٍ . وقيل الصَّافَّاتُ الطَّيرُ من قوله تعالى : { والطير صافات } [ سورة النور ، الآية41 ] والزَّاجراتُ كلُّ ما يزجرُ عن المعاصِي ، والتّاليات كُّل مَن يتلُو كتابَ اللَّهِ تعالى . وقيل الزَّاجراتُ القوارعُ القُرآنيةُ . وقرئ بإدغامِ التَّاءِ في الصَّادِ والزاي والذَّالِ .


[687]:ورد في المعجم: يا ويح زيابة للحارث *** الصابح فالغانم فالآيب وهو لابن زيابة في خزانة الأدب (5/107)؛ والدرر (6/16)؛ وسمط اللآلي (ص504)؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص147) وشرح شواهد المغني (ص 465)؛ ومعجم الشعراء (ص208)، وبلا نسبة في الجنى الداني (ص65) وخزانة الأدب (11/5) ومغني اللبيب (ص 163).