إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ أَزۡوَٰجٗا يَذۡرَؤُكُمۡ فِيهِۚ لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ} (11)

{ فَاطِرَ السماوات والأرض } خبرٌ آخرُ لذلكُم أو خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ أو مبتدأ خبرُهُ { جَعَلَ لَكُمُ } وقُرِئ بالجرِّ على أنَّه بدلٌ منَ الضميرِ أو وصفٌ للاسمِ الجليلِ في قولِه تعالَى إلى الله وما بينُهَما اعتراضٌ بينَ الصفةِ والموصوفِ { منْ أَنفُسِكُمْ } من جنسِكم { أزواجا } نساءً وتقديمُ الجارِّ والمجرورِ على المفعولِ الصريحِ قد مرَّ سرُّه غيرَ مرةٍ { وَمِنَ الأنعام } أي وجعلَ للأنعامِ من جنْسِها { أزواجا } أو خلقَ لكُم من الأنعامِ أصنافاً أو ذكوراً وإناثاً { يَذْرَؤُكُمْ } يكثّركم من الذرْءِ وهو البثُّ وفي معناهُ الذَّرو والذَّرُّ { فِيهِ } أي فيما ذُكِرَ من التدبيرِ فإنَّ جعلَ الناسِ والأنعامِ أزواجاً يكونُ بينَهم توالدٌ كالمنبعِ للبثِّ والتكثيرِ { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيء } أي ليسَ مثلَه شيءٌ في شأنِ من الشؤونِ التي من جُمْلتِها هَذا التدبيرُ البديعُ والمراد من مثله ذاتُه كَما في قولِهم مثلُكَ لا يفعلُ كَذا على قصدِ المبالغةِ في نفيهِ عنهُ فإنَّه إذا نُفيَ عمَّن يناسبُه كانَ نفيُه عْنهُ أَوُلى ثمَّ سُكلتْ هذهِ الطريقةُ في شأنِ مَنْ لا مثلَ لهُ وقيلَ : مثلُه صفتُه أيْ ليسَ كصفتِه صفةٌ { وَهُوَ السميع البصير } المبالغُ في العلمِ بكلِّ ما يسمعُ ويُبصَرُ .