إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرۡنَ مِن فَوۡقِهِنَّۚ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَيَسۡتَغۡفِرُونَ لِمَن فِي ٱلۡأَرۡضِۗ أَلَآ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (5)

{ تَكَادُ السماوات } وقُرِئ بالياءِ { يَتَفَطَّرْنَ } يتشقّقنَ من عظمةِ الله تعالىَ وقيلَ : من دعاءِ الولدِ له كما في سُورةِ مريمَ وقُرِئ يَنْفَطرنَ ، والأولُ أبلغُ لأنَّه مطاوعُ فطَّر ، وهذا مطاوعُ فَطَر . وقُرِئ تَنْفطِرْنَ بالتاءِ لتأكيدِ التأنيثِ وهو نَادرٌ { مِن فَوْقِهِنَّ } أي يبتدأُ التفطرُ من جهتهنَّ الفوقانيةِ وتخصيصُها على الأولِ لما أنَّ أعظمَ الآياتِ وأدلَّها على العظمةِ والجلالِ من تلكَ الجهةِ ، وعلى الثَّانِي للدلالةِ على التفطرِ من تحتهنَّ بالطريقِ الأَولى ، لأنَّ تلكَ الكلمةَ الشنعاءَ الواقعةَ في الأرضِ حيثُ أثرتْ في جهةِ الفوقِ فلأنْ تؤثرَ في جهةِ التحتِ أَوْلى وقيلَ : الضميرُ للأرضِ فإنَّها في مَعنْى الأرضينَ { والملائكة يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ } ينزهونَهُ تعالى عمَّا لا يليقُ به ملتبسينَ بحمدِه { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الأرض } بالسَّعي فيما يستدعِي مغفرتَهُم من الشفاعةِ والإلهامِ وترتيبِ الأسبابِ المقربةِ إلى الطاعةِ واستدعاءِ تأخيرِ العقوبةِ طمعاً في إيمانِ الكافرِ وتوبةِ الفاسقِ . وهذا يعمُّ المؤمنَ والكافرَ ، بلْ لو فُسِّر الاستغفارُ بالسَّعي فيما يدفعُ الخللَ المتوقعَ عمَّ الحيوانَ بلِ الجمادَ وحيثُ حُصَّ بالمؤمنينَ كَما في قولِه تعالى : { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا }[ سورة غافر ، الآية7 ] فالمرادُ به الشفاعةُ { أَلاَ إِنَّ الله هُوَ الغفور الرحيم } إذْ ما منْ مخلوقٍ إلا ولَهُ حظٌ عظيمٌ من رحمتِه تعالَى ، والآيةُ عَلى الأولِ زيادةُ تقرير لعظمتِه تعالَى ، وعلى الثَّاني بيانٌ لكمالِ تقدُّسهِ عمَّا نُسبَ إليهِ ، وأنَّ تركَ معاجلتِهم بالعقابِ على تلك الكلمةِ الشنعاءِ بسببِ استغفارِ الملائكةِ وفرطِ غفرانِه ورحمتِه ، ففيها رمزٌ إلى أنَّه يقبلُ استغفارَهُم ويزيدُهُم على ما طلبُوه من المغفرةِ رحمةً .