إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَقَدۡ مَكَّنَّـٰهُمۡ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّـٰكُمۡ فِيهِ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ سَمۡعٗا وَأَبۡصَٰرٗا وَأَفۡـِٔدَةٗ فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُمۡ سَمۡعُهُمۡ وَلَآ أَبۡصَٰرُهُمۡ وَلَآ أَفۡـِٔدَتُهُم مِّن شَيۡءٍ إِذۡ كَانُواْ يَجۡحَدُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (26)

{ وَلَقَدْ مكناهم } أي قررنَا عاداً أو أقدرنَاهُم ، وما في قولِه تعالى : { فِيمَا إِن مكناكم فِيهِ } موصولةٌ أو موصوفةٌ ، وأنْ نافيةٌ ، أيْ في الذِي أو في شيءٍ ما مكنَّاكُم فيهِ من السَّعةِ والبسطةِ وطولِ الأعمار وسائرِ مبادِيِ التصرفاتِ كَما في قولِه تعالى : { أَلَمْ يَرَوا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ مكناهم فِي الأرض مَا لَمْ نُمَكن لكُمْ } [ سورة الأنعام ، الآية 6 ] وممَّا يُحسِّنُ موقعَ إنْ هَهُنا التَّفَصِّي عن تكررِ لفظةِ مَا ، وهُو الدَّاعِي إلى قلبِ ألِفها هاءً في مَهْمَا ، وجعلُها شرطيةً أو زائدةً مِمَّا لاَ يليقُ بالمقامِ . { وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وأبصارا وَأَفْئِدَةً } ليستعملُوهَا فيمَا خُلقتْ لهُ ويعرفُوا بكلَ منَها ما نِيطتْ بهِ معرفتُه من فنونِ النعمِ ويستدلُّوا بها على شؤونِ منعمِها عزَّ وجلَّ ويداومُوا على شُكرِه . { فَمَا أغنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ } حيثُ لم يستعملُوه في استماعِ الوَحي ومواعظِ الرسلِ .

{ وَلاَ أبصارهم } حيثُ لم يجتلُوا بها الآياتِ التكوينيةَ المنصوبةَ في صحائفِ العالمِ . { وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ } حيثُ لم يستعملُوها في معرفةِ الله تعالَى . { مِن شَيء } أي شيئاً من الإغناءِ . ومِنْ مزيدةٌ للتأكيدِ . وقولُه تعالى : { إذ كانوا يجحدون بآيات الله } متعلقٌ بما أَغْنَى وهو ظرفٌ جَرَى مجرى التعليلِ من حيثُ أنَّ الحكمَ مرتبٌ على ما أضيفَ إليهِ فإنَّ قولَكَ أكرمتُه إذْا أكرمنِي ، في قوةِ قولِك أكرمتُه لإكرامِه لأنَّك إذا أكرمتَهُ وقتَ إكرامِه فإنَّما أكرمْتَه فيه لوجودِ إكرامِه فيهِ وكذا الحالُ في حيثُ { وَحَاقَ بِهِم ما كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئونَ } من العذابِ الذي كانُوا يستعجلونَهُ بطريقِ الاستهزاءِ ويقولونَ فائْتنِا بما تعدُنا إن كنتَ من الصادقينَ .