إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{۞وَٱذۡكُرۡ أَخَا عَادٍ إِذۡ أَنذَرَ قَوۡمَهُۥ بِٱلۡأَحۡقَافِ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦٓ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيمٖ} (21)

{ واذكر } أيْ لكُفَّارِ مكةَ { أَخَا عَادٍ } أيْ هوداً عليهِ السلامُ ، { إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ } بدلُ اشتمالٍ منْهُ أي وقتَ إنذارِه إِيَّاهُم . { بالأحقاف } جمعُ حِقْفٍ ، وهُو رملٌ مستطيلٌ مرتفعٌ فيهِ انحناءٌ منِ احقوقفَ الشيءُ إذا اعوجَّ . وكانتْ عادٌ أصحابَ عَمدٍ يسكنونَ بين رمالٍ مشرفةٍ على البحرِ بأرضٍ يُقالُ لها الشّحْرُ من بلادِ اليمنِ ، وقيلَ : بينَ عُمَانَ ومَهَرَةَ . { وَقَدْ خَلَتِ النذر } أي الرُّسلُ جمعُ نذيرٍ بمعنى المنذرِ . { مِن بَيْنِ يَدَيْهِ } أي من قبلهِ { وَمِنْ خَلْفِهِ } أي منْ بعدهِ . والجملةُ اعتراضٌ مقررٌ لما قبلَهُ مؤكدٌ لوجوبِ العملِ بموجبِ الإنذارِ ، وُسِّط بينَ أنذرَ قومَهُ وبينَ قولِه { أَن لا تَعْبُدُوا إِلاَّ الله } مسارعةً إلى ما ذُكِرَ من التقريرِ والتأكيدِ وإيذاناً باشتراكِهم في العبارةِ المحكيةِ ، والمَعْنى واذكُرْ لقومِكَ إنذارَ هودٍ قومَهُ عاقبةَ الشركِ والعذابِ العظيمِ ، وقد أندرَ مَنْ تقدمَهُ من الرسلِ ، ومن تأخرَ عنْهُ قومَهُم مثلَ ذلكَ فاذكُرهم . وأَما جعلُها حالاً من فاعلِ أنذرَ على مَعْنى أنَّه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أنذرَهُم ، وقالَ لَهُم لا تعبدُوا إلا الله { إِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } وقد أعلمهم أنَّ الرسلَ الذين بُعثوا قبلَه والذينَ سيُبعثونَ بعدَهُ كلَّهم منذرونَ نحوَ إنذارِه ، فمعَ ما فيهِ من تكلفِ تقديرِ الإعلامِ لا بُدَّ في نسبةِ الخلوِّ إلى مَن بعدَهُ من الرسلِ من تنزيلِ الآتِي منزلةَ الخالِي .