إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ} (1)

مقدمة السورة:

سورة محمد صلى الله عليه وسلم ، وتسمى سورة القتال مدنية وقيل : مكية ، وآيها تسع أو ثمان وثلاثون .

{ الذين كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ الله } أي أعرضُوا عن الإسلامِ وسلوكِ طريقةِ ، منْ صَدَّ صُدوداً ، أو منعُوا النَّاسَ عن ذلكَ مِنْ صدَّهُ صَدَّاً كالمُطعمينَ يومَ بدرٍ وقيلَ : هُم اثنا عشرَ رجُلاً من أهلِ الشركِ كانُوا يصدُّونَ الناسَ عن الإسلامِ ويأمرونَهُم بالكفرِ ، وقيلَ أهلُ الكتابِ الذينَ كفرُوا وصدُّوا مَنْ أرادَ منْهم ومن غيرِهم أنْ يدخلَ في الإسلامِ ، وقيلَ : هو عامٌّ في كلِّ مَن كفرَ وصدَّ { أَضَلَّ أعمالهم } أي أبطلَها وأحبطَها وجعلَها ضائعةً لا أثرَ لَها أصلاً ، لكنْ لا بمعنى أنَّه أبطلَها وأحبطَها بعد أنْ لم تكُنْ كذلك بلْ بمَعْنى أنَّه حكَم ببطلانِها وضياعِها ، فإنَّ ما كانُوا يعملونَ من أعمالِ البرِّ كصلةِ الأرحامِ وقِرَى الأضيافِ وفكِّ الأُسارَى وغيرِها من المكارمِ ليسَ لها أثرٌ منْ أصلِها لعدمِ مقارنتِها للإيمانِ أو أبطلَ ما عملوا من الكيدِ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم والصدِّ عن سبيلِه بنصرِ رسوله وإظهارِ دينِه على الدِّينِ كُلِّه ، وهُو الأوفقُ لما سيأتِي من قولِه تعالى : { فَتَعْساً لهُمْ وَأَضَلَّ أعمالهم } [ سورة محمد ، الآية 8 ] . وقولُه تعالى : { فَإِذَا لَقِيتُمُ } الخ .