إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَٰرِهِمۡ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكۡرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُۥ لَمَجۡنُونٞ} (51)

{ وَإِن يَكَادُ الذين كَفَرُوا لَيُزلقُونَكَ بأبصارهم } وقُرِئَ ليَزلقونَكَ بفتحِ الياءِ من زَلَقه بمعنى أَزْلَقه ويُزهقونَكَ . وإنْ هيَ المخففةُ واللامُ دليلُهَا والمَعْنَى أنَّهم من شدَّةِ عداوتِهِم لكَ ينظرونَ إليكَ شَزْراً بحيثُ يكادونَ يُزلّونَ قدمكَ فيرمونكَ ، من قولِهِم نظراً يكادُ يصرعُنِي ، أي لو أمكنَهُ بنظرِهِ الصرعُ لفعلَهُ أو أنَّهُم يكادونَ يُصيبونَكَ بالعينِ إذ قَد رُوِي أنَّهُ كانَ في بني أسدٍ عيَّانونَ فأرادَ بعضُهُم أن يعينَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فنزلتْ . وفي الحديثِ «إنَّ العينَ لتُدخلُ الرجلَ القبرَ والجملَ القدرَ » ولعله من خصائصِ بعضِ النفوسِ ، وعن الحسنِ . دواءُ الإصابةِ بالعينِ أنْ تقرأَ هَذِه الآية : { لَمَّا سَمِعُوا الذكر } أي وقتَ سماعِهِم بالقرآنِ على أنَّ لمَّا ظرفيةٌ منصوبةٌ بيُزلقونَكَ وذلكَ لاشتدادِ بُغضِهِم وحسدِهِم عندَ سماعِهِ . { وَيَقُولُونَ } لغايةِ حيرتِهِم في أمرِهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ونهايةِ جهلِهِم بمَا في تضاعيفِ القرآنِ من تعاجيبِ الحِكَمِ وبدائعِ العلومِ المحجوبةِ عن العقولِ المُنغمسةِ بأحكامِ الطبائعِ ولتنفيرِ النَّاسِ عنْهُ { إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ } وحيثُ كانُ مدارُ حُكمِهِم الباطلِ ما سمعُوه منهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ردَّ ذلكَ ببيانِ عُلوِّ شأنه وسطوعِ بُرهانِهِ فقيلِ : { وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ للْعَالَمِينَ } .