إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَٱلۡبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخۡرُجُ نَبَاتُهُۥ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَٱلَّذِي خَبُثَ لَا يَخۡرُجُ إِلَّا نَكِدٗاۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَشۡكُرُونَ} (58)

{ والبلد الطيب } أي الأرضُ الكريمةُ التربة { يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبّهِ } بمشيئته وتيسيرِه ، عبَّر عن كثرة النباتِ وحسنِه وغزارةِ نفعه لأنه أوقعه في مقابلة قولِه تعالى : { والذي خَبُثَ } من البلاد كالسبخة{[268]} والحرَّة { لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا } قليلاً عديمَ النفع ، ونصبُه على الحال والتقديرُ والبلدُ الذي خبُث لا يخرُج نباتُه إلا نكِداً ، فحُذف المضافُ وأقيم المضافُ إليه مُقامَه فصار مرفوعاً مستتراً وقرئ لا يُخرِج إلا نكداً أي لا يخرجه البلدُ إلا نكداً فيكون إلا نكداً مفعولَه ، وقرئ نَكَداً على المصدر أي ذا نَكَدٍ ، ونَكْداً بالإسكان للتخفيف { كذلك } أي مثلَ ذلك التصريفِ البديعِ { نُصَرّفُ الآيات } أي نرددها ونكررها { لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ } نعمةَ الله تعالى فيتفكرون فيها ويعتبرون بها ، وهذا كما ترى مثلٌ لإرسال الرسلِ عليهم السلام بالشرائع التي هي ماءُ حياةِ القلوبِ إلى المكلَّفين المنقسِمين إلى المقتبِسين من أنوارها والمحرومين من مغانمِ آثارِها .


[268]:الأرض السبخة: أرضٌ ذات ملح ونزّ لا تكاد تنبت. والحرّة: أرض ذات حجارة سود كأنها أحرقت.