إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المدثر مكية وآيها ست وخمسون .

{ يا أيها المدثر } أي المتدثرُ هو لابسُ الدثارِ وهُوَ مَا يُلبسُ فوقَ الشِّعارِ الَّذي يلي الجسدَ قيلَ : هيَ أولُ سورةٍ نزلتْ . رُويَ عنْ جابرٍ رضيَ الله عنْهُ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قالَ : «كُنت عَلى جبلِ حراءٍ فنوديتُ يا محمدُ إنَّكَ رسولُ الله فنظرتُ عنْ يميني وَيسارِي فلمْ أرَ شيئاً فنظرتُ فوقِي فإذَا بهِ قاعدٌ عَلَى عرشٍ بينَ السماءِ والأرضِ يعنيَ المَلكَ الَّذي ناداهُ فرعبتُ ورجعتُ إلى خديجَةَ فقلتُ : دثرونِي فنزلَ جبريلُ وقال : { يا أيها المدثر } » عَنِ الزهري أنَّ أولَ ما نزلَ سورةُ اقرأْ إلى قولهِ تعالى : { مَا لَمْ يَعْلَمْ } [ سورة العلق ، الآية 5 ] فحزنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وجعلَ يعلو شواهقَ الجبالِ فأتاهُ جبريلُ عليهِ السَّلامُ وقالَ : إنكَ نبيُّ الله فرجِعَ إلى خديجةَ فقالَ : «دثرونِي وصُبُّوا عليَّ ماءً بارداً »{[803]} فنزلَ جبريلُ فقالَ : { يا أيها المدثر } وقيلَ : سمعَ منْ قريشٍ ما كرهَهُ فاغتمَّ فتغطّى بثوبِه متفكراً كَمَا يفعلُ المغمومُ فأُمِرَ أنْ لا يدعَ إنذارَهم وإنْ أسمعُوه وآذوه . وقيلَ : كانَ نائماً متدثراً . وقيلَ : المرادُ المتدثرُ بلباسِ النبوةِ والمعارفِ الإلهيةِ . وقُرِئَ المُدَثَّرُ علَى صيغةِ اسمِ المفعولِ منْ دَثَرَهُ أي الَّذي دثرَ هذا الأمرَ العظيمَ وعصبَ به وفي حرفِ أبي المنذرِ يا أيها المتدثرُ عَلى الأصْلِ .


[803]:أخرجه البخاري في كتاب التفسير سورة (74)، باب (1، 3، 4)، سورة (96) باب (1) كما أخرجه مسلم في كتاب الإيمان حديث رقم (255، 257) والترمذي في كتاب التفسير سورة (74)، باب (1) وأحمد في المسند (3/306).