فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلۡعَظِيمِ} (2)

ثم ذكر سبحانه تساؤلهم عماذا وبينه فقال : { عن النبأ العظيم } أورده سبحانه أولا على طريقة الإستفهام مبهما لتتوجه إليه أذهانهم ، وتلتفت إليه أفهامهم ، ثم بينه بما يفيد تعظيمه وتفخيمه ، كأنه قيل عن أي شيء يتساءلون ، هل أخبركم به ، ثم قيل بطريق الجواب { عن النبأ العظيم } على منهاج قوله : { لمن الملك اليوم ، لله الواحد القهار } وإنما كان ذلك النبأ أي القرآن عظيما لأنه ينبئ عن التوحيد وتصديق الرسول ، ووقوع البعث والنشور .

وقال الضحاك : يعني نبأ يوم القيامة وكذا قال قتادة .

وقد استدل على أن النبأ هو القرآن بقوله الآتي : { الذي هم فيه مختلفون } فإنهم اختلفوا في القرآن فجعله بعضهم سحرا وبعضهم شعرا وبعضهم كهانه وبعضهم قال هو أساطير الأولين ، وأما البعث فقد اتفق الكفار إذ ذاك على إنكاره ، ويمكن أن يقال أنه قد وقع الاختلاف في البعث في الجملة فصدق به المؤمنون ، وكذب به الكافرون ، وقد وقع الخلاف فيه من هذه الحيثية وإن لم يقع الاختلاف فيه بين الكفار أنفسهم على التسليم والتنزل .

ومما يدل على أنه القرآن قوله سبحانه : { قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون } ومما يدل على أنه البعث أنه أكثر ما كان يستنكره المشركون وتأباه عقولهم السخيفة .

وأيضا فطوائف الكفار قد وقع الاختلاف بينهم في البعث فأثبتت النصارى المعاد الروحاني ، وأثبتت طائفة من اليهود المعاد الجسماني ، وفي التوراة التصريح بلفظ الجنة باللغة العبرانية بلفظ جنعيذا بجيم مفتوحة ثم نون ساكنة ثم عين مهملة مكسورة ثم تحتية ساكنة ثم ذال معجمة بعدها ألف ، وفي الإنجيل في مواضع كثيرة التصريح بالمعاد ، وأنه يكون فيه النعيم للمطيعين ، والعذاب للعاصين .

وقد كان بعض طوائف كفار العرب ينكر المعاد كما حكى الله عنه بقوله : { إن هذه إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما نحن بمبعوثين } وكانت طائفة منهم غير جازمة بنفيه بل شاكة فيه كما حكى الله عنهم بقوله : { إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين } وما حكاه الله عنهم بقوله : { وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلي ربي إن لي عنده للحسنى } فقد حصل الاختلاف بين طوائف الكفر على هذه الصفة .

وقد قيل إن الضمير في قوله يتساءلون يرجع إلى المؤمنين والكفار لأنهم جميعا كانوا يتساءلون عنه : فأما المسلم فيزداد يقينا واستعدادا وبصيرة في دينه ، وأما الكافر فاستهزاء وسخرية .

قال الرازي : ويحتمل أنهم يسألون الرسول ويقولون ما هذا الذي تعدنا به من أمر الآخرة ، قال ابن عباس : النبأ العظيم القرآن ، وهذا مروي عن جماعة من التابعين .