الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{ثُمَّ لَتُسۡـَٔلُنَّ يَوۡمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ} (8)

{ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } اختلفوا فيه وأكثروا ، فأخبرنا أبو علي الحسين بن محمد بن علي بن إبراهيم السراج بقراءتي عليه في الجامع يوم الجمعة في المحرم سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة قال : حدّثنا أبو بكر محمد بن علي بن مهران الخشّاب ، قال حدّثنا علي بن سعيد العسكري قال : حدّثنا الحسين بن معاذ الأخفش مُستملي أبي حفص الفلاس قال : حدّثنا إبراهيم ابن أبي سويد الذارع قال : حدّثنا سويد أبو حاتم ، عن قتادة ، عن عبد اللّه بن سفيان ، عن أبي هريرة ، عن النبي ( عليه السلام ) { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } قال : " عن الماء البارد " .

وحدّثنا أبو الحسن محمد بن علي بن الحسين بن القيّم الحسني السُّني قال : حدّثنا أحمد بن علي بن مهدي بن صدقة بالرملة قال : حدّثني أبي قال : حدّثنا علي بن موسى الرضا قال : حدّثني أبي موسى بن جعفر قال : حدّثني أبي جعفر بن محمد قال : حدّثني أبي محمد بن علي ، قال حدّثني أبي علي بن الحسين قال : حدّثني أبي الحسين بن علي قال : حدّثني أبي علي بن أبي طالب قال : قال رسول اللّه ( عليه السلام ) في قول سبحانه : { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } قال : " الرطب والماء البارد " .

وقال عبد اللّه بن عمر : هو الماء البارد في الصيف ، ودليل هذا التأويل الخبر المأثور : " أن أول ما يسأل اللّه سبحانه العبد يوم القيامة أن يقول له : ألم أصحّ جسمك ، وأروك من الماء البارد " .

وقال أنس بن مالك : " ضاف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى المقداد بن الأسود فقدم إليه طعاماً فأكله ، ثم سقاه ماءً بارداً فاستطابه ، وقال : " يا بردها على الكبد " ، ثم قال : " إذا شرب أحدكم الماء فليشرت أبرد ما يقدر عليه " ، قيل : ولم ؟ قال : " أطيب للمعدة ، وأنفع للعلّة ، وأبعث على الشكر " .

وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول : سمعت أبا زكريّا العنبري يقول : سمعت أبا العباس الأزهري يقول : سمعت أبا حاتم يقول : الماء البارد العذب يستخرج الحمد من جوف القلب .

وقال مالك بن دينار : قال رجل للحسن : إنّ لنا جاراً لا يأكل الفالود ، ويقول : لا أقوم بشكره ، فقال : ما أجهل جاركم بنعمة اللّه عليه بالماء البارد أكثر من نعمة بجميع الحلاوي !

وأخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال : أخبرنا أبو محمد عبد اللّه بن أحمد [ بن محمد الرومي ] قال : حدّثنا أبو حفص محمد بن حفص البصري قال : حدّثنا عبد اللّه بن سلمة بن عياش قال : حدّثنا الأشعث بن نزار ، عن قتادة ، عن عبد اللّه بن شقيق ، عن أبي هريرة ، أن النبي ( عليه السلام ) في قول اللّه جلّ ثناؤه { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } قال : " من أكل خبز البُرّ ، وشرب الماء المبرّد ، وكان له ظل ، فذلك النعيم الذي يُسأل عنه " .

وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا بن مالك قال : حدّثنا ابن حنبل قال : حدّثني الوليد بن شجاع قال : حدّثنا محمد بن سعيد الأصبهاني ، عن ابن أبي ليلى ، عن الشعبي ، عن عبد اللّه بن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } قال : " الأمن والصحة " .

وأخبرني بن فنجويه قال : حدّثنا ابن برزة قال : حدّثنا محمد بن غالب بن حرب قال : حدّثني زكريّا بن يحيى الرقاشي المنقري قال : حدّثنا عبد اللّه بن عيسى بن خلف قال : حدّثنا يونس بن عبد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنّه سمع عمر بن الخطاب يقول : " خرج علينا رسول اللّه ( عليه السلام ) عند الظهيرة فوجد أبا بكر في المسجد فقال : " يا أبا بكر ما أخرجك في هذه الساعة ؟ " قال : يا رسول اللّه ، أخرجني الذي أخرجك . قال : وجاء عمر فقال له رسول اللّه : " يابن الخطّاب ما أخرجك ؟ " قال : يا رسول اللّه الذي أخرجكما . وقعد معهما عمر قال : فأقبل رسول اللّه ( عليه السلام ) يحدّثهما ثم قال : " هل لكما من قوّة فتنطلقان إلى هذا النخل فتصيبان طعاماً وشراباً وظلاًّ ؟ " قلنا : نعم ، قال : " مرّوا بنا إلى أبي الهيثم بن التيهان الأنصاري " ، فتقدّم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بين أيدينا ، فاستأذن وسلّم عليهم ثلاث مرّات ، وأُمّ الهيثم تسمع الكلام من وراء الباب ، وتريد أن يزيدهم رسول اللّه ( عليه السلام ) ، فلمّا أراد رسول اللّه ( عليه السلام ) أن ينصرف خرجت أُمّ الهيثم تسعى خلفهم ، فقالت : يا رسول اللّه لقد سمعت تسليمك ، ولكنّي أردت أن تزيدنا من سلامك . فقال لها رسول اللّه ( عليه السلام ) : " أين أبو الهيثم ؟ " قالت : يا رسول اللّه هو قريب ، ذهب يستعذب لنا من الماء ، ادخلوا فإنه يأتي الساعة إن شاء اللّه . وبسطت لهم بساطاً تحت شجرة حتى جاء أبو الهيثم ، ففرح بهم أبو الهيثم وقرّت عينه ، وصعد أبو الهيثم على نخلة يصرم لهم عذقاً ، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : " حسبك يا أبا الهيثم " ، قال : يا رسول اللّه ، تأكلون من بسره ، ومن رطبه ، وتذنوبه ، ثم أتاهم فشربوا عليه ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : " هذا من النعيم الذي تُسألون عنه " . ثم قام أبو الهيثم إلى شاة لهم ليذبحها ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم " إياك واللبون " ، وقامت أُمّ الهيثم تعجن لهم وتخبز ، فوضع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رؤوسهم للقائلة ، فانتبهوا وقد أدرك طعامهم ، فوضع بين أيديهم الطعام ، فأكلوا وشبعوا وحمدوا اللّه عزّ وجلّ ، ثم ردّ عليهم أبو الهيثم بقية الأعذاق ، فأكلوا من رطبه ، [ ومن تذنوبه ] ، فسلّم عليهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، ودعا لهم بخير " .

وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن شنبه قال : حدّثنا الفريابي قال : حدّثنا منصور بن أبي مزاحم قال : حدّثنا أبو سعيد المؤذّن - وهو محمد بن مسلم بن أبي الوضّاح - عن محمد بن عمر ، عن صفوان بن سليم ، عن محمود بن لبيد قال : " لمّا نزلت هذه الآية : { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } قالوا : يا رسول اللّه عن أيّ نعيم نُسأل ، وإنّما هما هذان الأسودان التمر والماء ، وسيوفنا على عواتقنا ؟ قال : " إنّ ذاك لكائن " .

وأخبرنا الفنجوي قال : حدّثنا القطيعي قال : حدّثنا ابن حنبل قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا عنّان قال : حدّثنا يزيد بن إبراهيم قال : أخبرنا يوسف ابن أخت ابن سيرين ، عن أبي قلابة " عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول اللّه سبحانه : { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } قال : " ناس من أُمّتي يعقدون السمن والعسل بالنقي فيأكلونه " .

وأخبرنا بن فنجويه قال : حدّثنا ابن شنبه قال : حدّثنا الفريابي قال : حدّثنا إبراهيم بن عبد اللّه قال : أخبرنا هيثم قال : أخبرنا منصور بن زاذان ، عن ابن سيرين ، عن ابن عمر قال : لا يدخل الحمّام ، فإنّه ممّا أحدثوا من النعيم ، قال : وكان منصور لا يدخل الحمّام .

وأخبرني الحسين قال : حدّثنا [ أحمد بن جعفر بن حمدان ] قال : حدّثنا محمود بن الفرج قال : حدّثنا ابن أبي الشوارب قال : حدّثنا أبو عوانة ، عن ابراهيم الهجري ، عن أبي الأحوص ، عن عبد اللّه ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : " إن اللّه سبحانه ليعدد نعمه على العبد في المصدر : [ يوم القيامة حتى يعد عليه ] : سألتني فلانة أن أزوجكها - يسمّيها باسمها - فزوجتكها " .

وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا بن صقلاب قال : حدّثنا ابن أبي الخصيب قال : حدّثني محمد بن عيسى قال : حدّثنا فضل بن سهل قال : حدّثنا حفص بن عمر قال : حدّثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة قال :

" لمّا نزلت { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } قالت الصحابة : يا رسول اللّه ، وأي نعيم نحن فيه . وإنما نأكل في أنصاف بطوننا الشبع ؟ فأوحى اللّه سبحانه إلى نبيّه : قل لهم : " أليس تحتذون النعال ، وتشربون الماء البارد ؟ فهذا من النعيم " .

وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا أبو زرعة الرازي قال : حدّثنا أبو الحسن الأشناني القاضي قال : حدّثنا أحمد بن الحسن بن سعيد الخراز قال : حدّثني أبي قال : حدّثني محمد بن مروان ، عن أبان بن تغلب ، عن أنس بن مالك قال : " لما نزلت { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } جاء رجل محتاج فقال : يا رسول اللّه هل عليّ من النعمة شيء ؟ قال : " نعم ، النعلان ، والظل ، والماء البارد " .

وأخبرنا محمد بن محمد بن هانئ قال : حدّثنا أبو عبد اللّه محمد بن محمد الرواساني قال : حدّثنا أبو سعيد الأشجّ قال : حدّثنا ابن نمير ، عن ابن جريج ، عن مجاهد { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } قال : عن كل لذّة من لذات الدنيا .

وأنبأني عبد اللّه بن حامد ، قال : أخبرنا محمد بن الحسن قال : حدّثنا علي بن الحسن بن أبي عيسى قال : حدّثنا يحيى بن يحيى قال : حدّثنا أبو عامر بن أُساف اليمامي ، عن يحيى -وهو عبد لابن أبي كثير - قال : " قرأ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم { أَلْهَاكُمُ التَّكَّاثُرُ } على أصحابه ، فلمّا بلغ { لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } قال : " هل تدرون ما ذاك النعيم ؟ " قالوا : اللّه ورسوله أعلم . قال : " بيت يقلّك ، وخرقة تواري عورتك ، وكسرة تشدُ بها صلبك ، ما سوى ذلك نعيم " .

وأخبرنا عبد اللّه بن حامد إجازة قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن يحيى المكّي قال : حدّثني أبو بكر محمد بن جعفر المقري بشمشاط قال : حدّثنا أحمد بن سفيان بن علقمة بن عبد اللّه المقدمي قال : حدّثنا عمرو بن خالد قال : حدّثنا النضر بن عربي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : " قرأ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم { أَلْهَاكُمُ التَّكَّاثُرُ } قال : " تكاثر الأموال : جمعها من غير حقّها ، ومنعها عن حقّها ، وشدّها في الأوعية ، { حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ } حتى دخلتم قبوركم { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } لو قد دخلتم قبوركم { ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } لو قد خرجتم من قبوركم إلى محشركم { كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ } لو قد تطايرت الصُحف فشقيٌّ وسعيد { لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ } { ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ } قال : وذلك حين يؤتى بالصراط فينصب بين حفرتي جهنم { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } قال عن خمس : عن شبع البطون ، وبارد الشراب ، ولذّة النوم ، وظلال المساكن ، واعتدال الخلق " .

وأخبرنا عبد اللّه بن حامد قال : أخبرنا أحمد بن عبد اللّه قال : حدّثنا محمد بن عبد اللّه قال : حدّثنا الحسن بن زياد قال : حدّثنا أبو خلد الأحمر ، عن مفضل ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال : من أكل فسمّى اللّه ، وفرغ فحمد اللّه ، لم يسأل عن نعيم ذلك الطعام .

وقال ابن عباس : النعيم صحة الأبدان والأسماع والأبصار ، قال : يسأل اللّه العباد فيما استعملوها ، وهو أعلم بذلك منهم ، وهو قوله سبحانه :{ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [ الإسراء : 36 ] ، أبو جعفر : العافية .

وأنبأني عقيل قال : أخبرنا المعافى قال : أخبرنا ابن جرير قال : أخبرنا ابن حميد قال : حدّثنا مهران ، عن إسماعيل بن عياش ، عن عبد الرحمن بن الحرث التميمي ، عن ثابت البناني ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " النعيم المسؤول عنه يوم القيامة كسرة تقوّيه ، وماء يرويه ، وثوب يواريه " .

وبه عن مهران ، عن سفيان ، عن بكر بن [ عتيق ] العامري قال : أُتي سعيد بن جبير بشربة عسل فقال : أما إنّ هذا من النعيم الذي يُسأل عنه .

وقال محمد بن كعب : يعني عمّا أنعم عليكم بمحمد ( عليه السلام ) ، ودليل هذا التأويل قوله سبحانه

{ يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا } [ النحل : 83 ] ، عكرمة : عن الصحة والفراغ .

سعيد بن جبير : عن الصحة والفراغ والمال ، ودليله ما روى ابن عباس عن النبي ( عليه السلام ) أنّه قال : " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ " .

وقال عروة بن محمد : كنّا مع وهب بن منبه فرأينا رجلا أصمّ أعمى مقعداً مجذوماً مصاباً ، فقلنا : هل بقي على هذا شيءٌ من النعيم ؟ قال : نعم ، أعظمه بشبعه ما يأكل ويشرب ، ويسهل عليه إذا خرج لذلك .

قال بكر عن عبد اللّه المزني : يالها من نعمة يأكل لذّة ، ويخرج سرجاً . أبو العالية : عن الإسلام والستر . الحسين بن الفضل : تخفيف الشرايع ، وتيسير القرآن . أبو بكر الورّاق : عن الآلاء والنعماء .