الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَٰهَدُواْ وَصَبَرُوٓاْ إِنَّ رَبَّكَ مِنۢ بَعۡدِهَا لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ} (110)

{ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ } ، أي : [ طردوا ] ومنعوا من الاسلام ، [ ففتنهم ] المشركون ، { ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ } ، على الايمان والهجرة والجهاد ، { إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا } ، أي : من بعد تلك الفتنة [ والفعلة ] ، { لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، نزلت في عياش بن أبي ربيعة أخو أبي جهل من الرضاعة ، وأبي جندل بن سهل بن عمرو ، والوليد بن المغيرة ، وسلمة بن هشام ، وعبد الله بن أسيد الثقفي ، فتنهم المشركون فأعطوهم بعض ما أرادوا ليسلموا من شرهم ، ثمّ إنهم هاجروا بعد ذلك وجاهدوا ، فأنزل الله فيهم هذه الآية .

وقال الحسن وعكرمة : نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي سرخ ، وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فاستزّله الشيطان فلحق بالكفار ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتل يوم فتح مكة ، فاستجار له عثمان وكان أخاه لأُمه ، فأجاره رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمّ أسلم وحسن إسلامه ، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية . وأما قوله : ( فتنوا ) ، فقرأ عبد الله بن عامر : ( فتنوا ) ، بفتح الفاء والتاء ، ردّه إلى من أسلم من المشركين الذين فتنوا المسلمين ، واعتبر بقوله : جاهدوا وصبروا ، فأخبر بالفعل عنهم .

وقرأ الباقون : بضم الفاء وكسر التاء ، اعتباراً بما قبله إلا من أُكره .