الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{۞يَوۡمَ تَأۡتِي كُلُّ نَفۡسٖ تُجَٰدِلُ عَن نَّفۡسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (111)

{ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا } ، تخاصم وتحتج عن نفسها بما أسلفت من خير وشر ، [ مشتغلاً بها لا تتفرّغ ] إلى غيرها ، والنفس تذكر وتؤنث ، { وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } .

روى أبو صالح المري عن جعفر بن زيد قال : قال عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) لكعب الأحبار : يا كعب ، خوّفنا وحدّثنا حديثاً [ تنبهنا به ] قال : يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده لو [ وافيت ] القيامة بمثل عمل سبعين نقيباً ، لأُتيت عليك ظلمات وأنت لا تهمل إلاّ نفسك ، وأن لجهنم زفرة ما يبقى ملك مقرّب ولا نبي مبعث إلا وقع جاثياً على [ ركبتيه ] ، حتّى إن إبراهيم ليدلي [ بالخلة ] ، فيقول : يارب أنا خليلك إبراهيم لا أسألك إلا نفسي ، وأن تصديق ذلك الذي أنزل عليكم : { يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا } .

وروى عكرمة عن ابن عبّاس في هذه الآية قال : ما تزال الخصومة بين الناس يوم القيامة ، حتّى تخاصم الروح الجسد ، فتقول الروح : يارب ، الروح منك وأنت خلقته ، لم تكن لي يد أبطش بها ، ولا رجل أمشي بها ، ولا عين أبصر بها . ويقول الجسد : إنما خلقتني كالخشب ، ليس لي يد أبطش بها ، ولا عين أبصر بها ، ولا رجل أمشي بها ، فجاء هذا كشعاع النور ، فبه نطق لساني ، وبه أبصرت عيني ، وبه مشت رجلي فجدد عليه العذاب . قال : فيضرب الله لهما مثال أعمى ومقعداً دخلا حائطاً فيه ثمار ، فالأعمى لايبصر الثمر ، والمقعد لايناله ، فنادى المقعد الأعمى : أتيني هاهنا حتّى تحملني ، قال : فدنا منه فحمله فأصابوا من الثمر ، فعلى من يكون العذاب ، قالا : عليهما ، قال : عليكما جميعاً العذاب .