الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَٰهَدُواْ وَصَبَرُوٓاْ إِنَّ رَبَّكَ مِنۢ بَعۡدِهَا لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ} (110)

ثم قال تعالى : { ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنو } [ 110 ] .

أي : هاجروا إلى المدينة وتركوا ديارهم وأموالهم ، أي من بعدما عذبوا على الإسلام بمكة ثم جاهدوا المشركين {[39934]} في الله [ عز وجل {[39935]} ] مع نبيه [ صلى الله عليه وسلم ] وصبروا في الجهاد ، وعلى طاعة الله [ عز وجل {[39936]} ] إن ربك من بعد ذلك أي : من بعد الفعلة التي فعلوها { لغفور } أي لساتر على ذنوبهم { رحيم } بهم {[39937]} . وقد تقدم الكلام فيمن نزلت {[39938]} هذه {[39939]} الآيات {[39940]} .

ومن قرأ { فتنوا } بالفتح ، وهي قراءة ابن عامر {[39941]} ، فمعناه : عذبوا غيرهم على الإيمان ثم آمنوا هم من بعدما فعلوا ذلك بالمؤمنين ، إن ربك من بعد الفعلة التي فعلوها ساتر لذنوبهم ، رحيم بهم .

قال ابن عباس وقتادة : نزلت في قوم خرجوا إلى المدينة فأدركهم المشركون ففتنوهم فكفروا مكرهين {[39942]} .

وقال الحسن وعكرمة : {[39943]} نزلت في شأن ابن أبي سرح {[39944]} : فتنه المشركون فكفر ، فنزلت : { من كفر بالله من بعد إيمانه } [ 106 ] . الآية ، ثم استثنى إلا من أكره {[39945]} ] ثم نسخ {[39946]} واستثنى {[39947]} بقوله : { ثم إن ربك للذين هاجروا } [ 110 ] الآية ، وهو عبد الله بن أبي سرح كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فلحق بالمشركين ، وأمر به النبي [ صلى الله عليه وسلم ] يوم فتح مكة ، بأن يقتل فاستجار له عمر {[39948]} فأجاره رسول الله/ صلى الله عليه وسلم {[39949]} .


[39934]:ق: المشركون.
[39935]:ساقط من ق.
[39936]:انظر المصدر السابق.
[39937]:وهو تفسير ابن جرير، انظر: جامع البيان 14/183.
[39938]:ق: "نزلت في".
[39939]:ق: "هذا".
[39940]:ط: "الآية".
[39941]:هو عبد الله بن عامر بن يزيد أبو عمران اليحصبي الشامي أحد القراء السبعة، ولد في البلقاء سنة 8 هـ وانتقل إلى دمشق وبها توفي سنة 118 هـ. انظر: ترجمته في ميزان الاعتدال 2/51، وغاية النهاية 1/423، وتهذيب التهذيب 5/274، والأعلام 4/95. وانظر قراءته في السبعة 376، والحجة 395، والكشف 2/41، والتيسير 138، والنشر 2/305، وتحبير التيسير 134.
[39942]:انظر: قولهم في جامع البيان 14/183 وقد روي هذا القول عن عكرمة في تفسير قوله تعالى: {ولكن من شرح بالكفر صدرا}.
[39943]:ط : عكرمة والحسن. وانظر قولهما في: جامع البيان 14/184، والجامع للقرطبي 10/126.
[39944]:هو عبد الله بن سعد بن أبي السرح القرشي العامري، فاتح إفريقية وفارس بني عامر من أبطال الصحابة كان من كتاب الوحي، مات بعسقلان فجأة وهو قائم يصلي، وهو أخو عثمان ابن عفان من الرضاع. انظر: ترجمته في أسد الغابة 3/173، والروض الأنف 2/274، والأعلام 4/88..
[39945]:ساقط من ط.
[39946]:وهو قول ابن حبيب انظر الإيضاح 334 وفيه "وهذا لم يقله أحد غيره وهو غلط ظاهر".
[39947]:ق: فاستثنى.
[39948]:كذا في النسختين وفي جامع البيان أن المستجير له هو: أبو عمرو عثمان بن عفان.
[39949]:وانظر قول الحسن وعكرمة: في جامع البيان 14/184 والجامع 10/126.