السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَٰهَدُواْ وَصَبَرُوٓاْ إِنَّ رَبَّكَ مِنۢ بَعۡدِهَا لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ} (110)

ولما ذكر تعالى حال من كفر بالله من بعد إيمانه ، وحال من أكره على الكفر ذكر بعده حال من هاجر من بعد ما فتن بقوله تعالى : { ثم إنّ ربك } ، أي : المحسن إليك { للذين هاجروا } إلى المدينة الشريفة بالولاية والنصر ، وقوله تعالى : { من بعد ما فتنوا } ، قرأ ابن عامر بفتح الفاء والتاء على استناد الفعل إلى الفاعل ، والباقون بضم الفاء وكسر التاء على فعل ما لم يسمّ فاعله ، وجه القراءة الأولى أنه عاد الضمير على المؤمنين ، فالمعنى : فتنوا أنفسهم بما أعطوا المشركين من القول ظاهراً ، وأنهم لما صبروا على عذاب المشركين فكأنهم فتنوا أنفسهم وإن عاد على المشركين فهو ظاهر ، أي : فتنوا المؤمنين ؛ لأنّ أولئك المفتونين هم المستضعفون الذين حملهم أقوياء المشركين على الردّة والرجوع عن الإيمان فبيّن تعالى أنهم هاجروا ، { ثم جاهدوا وصبروا } على الطاعة ، { إنّ ربك من بعدها } ، أي : الفتنة ، { لغفور } ، أي : بليغ الإكرام ، { رحيم } ، فهو يغفر لهم ويرحمهم .

تنبيه : حذف خبر " إنّ " الأولى ؛ لدلالة خبر الثانية عليه ، أو مقدّر بما مرّ .