إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَٰهَدُواْ وَصَبَرُوٓاْ إِنَّ رَبَّكَ مِنۢ بَعۡدِهَا لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ} (110)

{ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجروا } ، إلى دار الإسلام ، وهم عمارٌ وأصحابُه رضي الله عنهم ، أي : لهم بالولاية والنصرِ لا عليهم ، كما يوجبه ظاهرُ أعمالِهم السابقةِ ، فالجارُّ والمجرور خبرٌ لإن ويجوز أن يكون خبرُها محذوفاً فالدلالة الخبرِ الآتي عليه ويجوز أن يكون ذلك خبراً لها وتكون إن الثانيةُ تأكيداً للأولى ، وثم للدِلالة على تباعد رتبةِ حالهم التي يفيدها الاستثناءُ من مجرد الخروجِ عن حكم الغضب والعذابِ بطريق الإشارة ، لا عن رتبة حالِ الكفرة { مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ } أي عُذّبوا على الارتداد وتلفظوا بما يرضيهم مع اطمئنان قلوبِهم بالإيمان ، وقرئ على بناء الفاعل أي عذَّبوا المؤمنين كالحضْرمي أكره مولاه جبراً حتى ارتد ثم أسلما وهاجرا { ثُمَّ جاهدوا } في سبيل الله { وَصَبَرُواْ } على مشاقّ الجهاد { إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا } من بعد المهاجِرةَ والجهاد والصبرِ ، فهو تصريحٌ بما أشعر به بناءُ الحُكم على الموصول من علّية الصلة له أو من بعد الفتنة المذكورة فهو لبيان عدمِ إخلالِ ذلك بالحكم { لَغَفُورٌ } لما فعلوا من قبلُ { رَّحِيمٌ } يُنعم عليهم مجازاةً على ما صنعوا من بعد ، وفي التعرض لعنوان الربوبيةِ في الموضعين إيماءٌ إلى علة الحكمِ ، وفي إضافة الربِّ إلى ضميره عليه السلام مع ظهور الأثرِ في الطائفة المذكورة إظهارٌ لكمال اللطفِ به عليه السلام وإشعارٌ بأن إفاضة آثارِ الربوبيةِ عليهم من المغفرة والرحمةِ بواسطته عليه السلام ولكونهم أتباعاً له .