فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَٰهَدُواْ وَصَبَرُوٓاْ إِنَّ رَبَّكَ مِنۢ بَعۡدِهَا لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ} (110)

{ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ( 110 ) .

{ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ } ، من دار الكفر إلى دار الإسلام ، وخبر { إن } ، محذوف ، أي : لغفور رحيم ؛ وقيل : الخبر هو الذين هاجروا ، أي : إن ربك لهم بالولاية والنصرة لا عليهم وفيه بعد ، قال في الكشاف : { ثم } ، ها هنا للدلالة على تباعد حال هؤلاء ، يعني : الذين نزلت الآية فيهم عن حال أولئك ، وهم عمار وأصحابه ، ويدل على ذلك ما روي أنها نزلت في ابن السراح .

قال ابن عباس : كان قوم من أهل مكة أسلموا ، وكانوا يستخفون بالإسلام فنزلت فيهم هذه الآية ، فكتبوا بذلك إليهم أن الله قد جعل لكم مخرجا فاخرجوا ، فأدركهم المشركون فقاتلوهم ، فنجى من نجى ، وقتل من قتل .

{ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ } ، أي : فتنتهم الكفار بتعذيبهم لهم ليرجعوا في الكفر ، وقرئ : " فتنوا " على البناء للفاعل ، وهي سبعية أيضا ، أي : للذين فتنوا المؤمنين وعذبوهم على الإسلام ، { ثُمَّ جَاهَدُواْ } في سبيل الله ، { وَصَبَرُواْ } على ما أصابهم من الكفار ، وعلى ما يلقونه من مشاق التكليف . { إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا } ، أي : من بعد الفتنة التي فتنوها ، أو بعد المهاجرة أو الجهاد أو الصبر أو جميع ذلك ، { لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، أي : كثير الغفران والرحمة لهم .

ومعنى الآية على قراءة البناء للفاعل واضح ظاهر ، أي : أن ربك لهؤلاء الكفار الذين فتنوا من أسلم وعذبوهم ثم جاهدوا وصبروا لغفور رحيم ، وأما على قراءة البناء للمفعول ، وهي قراءة الجمهور ، فالمعنى : أن هؤلاء المفتونين الذين تكلموا بكلمة الكفر مكرهين وصدورهم غير منشرحة للكفر ، إذا صلحت أعمالهم وجاهدوا في الله وصبروا على المكاره لغفور لهم رحيم بهم .