الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَٰهَدُواْ وَصَبَرُوٓاْ إِنَّ رَبَّكَ مِنۢ بَعۡدِهَا لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ} (110)

وقوله سبحانه : { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا } [ النحل : 110 ] .

قال ابنُ إسحاق : نزلَتْ هذه الآية في عَمَّار بنَ ياسِرٍ ، وعَيَّاشِ بنِ أبيَ رَبيَعَةَ ، والوليدِ بنِ الوليد .

قال ( ع ) : وذِكْرُ عَمَّارٍ في هذا عنْدي غيْرُ قويمٍ ، فإنَهُ أرَفَعُ من طبقة هؤلاءِ ، وإِنما هؤلاء مَنْ تَابَ ممَّن : { شرَحَ بالكُفْرِ صدراً } [ النحل : 106 ] ، فتح اللَّه له بابَ التوبة في آخر الآية ، وقال عكرمةُ والحَسَن : نزلَتْ هذه الآية في شَأنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي سَرْحٍ وأشباهه ، فكأنه يقول : مِنْ بَعْدِ ما فَتَنَهم الشَّيطانُ ، وهذه الآية مدنية بلا خلافٍ ، وإِن وجد ، فهو ضعيفٌ ، وقرأ الجمهور : «مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا » [ النحل : 110 ] مبني للمفعول ، وقرأ ابن عامر وحْده : «مَنْ بَعْدِ ما فَتَنُوا » بفتح الفاء والتاء ، أي : فَتَنُوا أنفسهم ، والضمير في : { بَعْدِهَا } ، عائدٌ على الفِتْنَةِ ، أو على الفَعْلة ، أو الهجْرةُ ، أو التوبة ، والكلامُ يعطيها ، وإن لم يَجْر لها ذكْرٌ صريُحُ .