الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَقُل رَّبِّ أَدۡخِلۡنِي مُدۡخَلَ صِدۡقٖ وَأَخۡرِجۡنِي مُخۡرَجَ صِدۡقٖ وَٱجۡعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلۡطَٰنٗا نَّصِيرٗا} (80)

{ وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ } قرأه العامّة : بضم الميمين على معنى الإدخال والاخراج .

وقرأ الحسن : بفتحهما على معنى الدخول والخروج .

واختلف المفسرون في تأويلها .

فقال ابن عبّاس والحسن وقتادة { أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ } المدينة { وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ } من مكة نزلت حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة فروى أبو حمزة الثمالي عن جعفر بن محمّد عن محمّد بن المنكدر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

" حين دخل الغار { رَّبِّ أَدْخِلْنِي } يعني الغار { مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي } من الغار { مُخْرَجَ صِدْقٍ } إلى المدينة " .

وقال الضحاك : { وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ } من مكة آمناً من المشركين { أَدْخِلْنِي } مكة { مُدْخَلَ صِدْقٍ } ظاهراً عليها بالفتح .

عطية عن ابن عبّاس { أَدْخِلْنِي } القبر { مُدْخَلَ صِدْقٍ } عند الموت { وَأَخْرِجْنِي } من القبر { مُخْرَجَ صِدْقٍ } عند البعث .

الكلبي { أَدْخِلْنِي } المدينة { مُدْخَلَ صِدْقٍ } حين أدخلها بعد أن قصد الشام { وَأَخْرِجْنِي } منها إلى مكة افتحها لي .

مجاهد { أَدْخِلْنِي } في أمرك الذي أدخلتني به من النبوة { مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي } منه { مُخْرَجَ صِدْقٍ } .

قتادة عن الحسن : { أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ } في طاعتك { وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ } بالصدق أي سالماً غير مقصر فيها .

وقيل : معناه { أَدْخِلْنِي } حيث ما أدخلتني بالصدق { وَأَخْرِجْنِي } بالصدق أي لتجعلني ممن أدخل بوجه وأخرج بوجه فإن ذا الوجهين لا يكون أميناً عند الله .

{ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } مجاهد : حجة بينة .

قال الحسن : يعني ملكاً قوياً ينصرني به على من والاني وعزّاً ظاهراً أُقيم به دينك ، قال : فوعده الله تعالى لينزعن ملك فارس والروم وعزتهما فيجعله له .

قتادة : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم علم أن لا طاقة له بهذا الأمر إلاّ بسلطان فسأل سلطاناً نصيراً بكتاب الله وحدوده ، وفرائضه وإقامة دينه وإن السلطان رحمة من الله جعلها من أظهر عباده لايقدر بعضهم على بعض وأكل شديدهم ضعيفهم .

وقيل : هو فتح مكة .

وروى موسى بن إسماعيل عن حماد عن الكلبي في قوله { وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيرا } قال : سلطانه النصير .

عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية : استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل مكة [ قال له : ] إنطلق فقد إستعملتك على أهل الله يعني مكة فكان شديداً على [ المنافقين ] ليّناً للمؤمنين .

قال : لا والله لا أعلم متخلفاً ينطلق عن الصلاة في جماعة إلاّ ضربت عنقه فإنه لا يتخلف عنها إلاّ منافق .

فقال أهل مكة : يا رسول الله تستعمل على آل الله عتاب بن أسيد إعرابياً حافياً ؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني رأيت فيما يرى النائم ، كأن عتاب بن أسيد أتى باب الجنة فأخذ بحلقه الباب ففلقها لا شديداً حتّى فتح له فدخلها فأعز الله به الاسلام لنصرته المؤمنين على من يريد ظلمهم فذلك السلطان النصير " .