الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ} (49)

{ وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم } يعني أسلافكم وآباءكم فاعتدّها منّة عليهم ؛ لأنّهم نجوا بنجاتهم ، ومآثر الآباء مفاخر الأبناء .

وقوله : { فَأَنجَيْنَاكُمْ } [ البقرة : 50 ] : أصله ألقيناكم على النّجاة وهو ما ارتفع واتّسع من الأرض هذا ، هو الأصل ، ثم سمّي كلّ فائز ناجياً كأنّه خرج من الضيق والشدة الى الرخاء والراحة .

وقرأ إبراهيم النخعي : وإذ نجّيناكم على الواحد . { مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ } : أي أشياعه وأتباعه وأسرته وعزّته وأهل دينه ، وأصله من الأول وهو الرجوع كأنّه يؤول إليك ، وكان في الأصل همزتان فعّوضت من إحداهما مدّ وتخفيف .

وفرعون : هو الوليد بن مصعب بن الريّان ، وكان من العماليق . { يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ } يعني يكلّفونكم ويذيقونكم أشدّ العذاب وأسوأه ، وذلك أنّ فرعون جعل بني إسرائيل خدماً وعبيداً وصنّفهم في أعمالهم . فصنف يبنون ، وصنف يحرثون ويزرعون ، وصنف يخدمون ، ومن لم يكن منهم في عمل من هذه الأعمال فعليه الجزية . { يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ } .

وقرأ ابن محيصن : بالتخفيف فتح الياء والباء من الذبح ، والتشديد على التكثير ، وذلك أنّ فرعون رأى في منامه كأنّ ناراً أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقتها وأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل ، فهاله ذلك ، ودعا بالسحرة والكهنة وسألهم عن رؤياه فقالوا : إنّه يولد في بني إسرائيل غلام يكون على يده هلاكك وزوال ملكك وتبديل دينك ، فأمر فرعون بقتل كلّ غلام يولد في بني إسرائيل ، وجمع القوابل من أهل مملكته فقال لهنّ : لا يسقطنّ على أيديكنّ غلام من بني إسرائيل إلاّ قتل ولا جارية إلاّ تركت ، ووكّل بهنّ من يفعلن ذلك ، وأسرع الموت في مشيخة بني إسرائيل فدخل رؤوس القبط على فرعون فقالوا له : إنّ الموت قد وقع في بني إسرائيل وأنت تذبح صغارهم [ ويموت كبارهم ، فيوشك أن يقع العمل علينا ، فأمر فرعون أن يذبحوا سنة ويتركوا سنة فولد هارون في السنة التي لا يذبحون فيها فترك ، وولد موسى في السنة التي يذبحون فيها ] . { وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } في إنجائكم منهم نعمة عظيمة ، والبلاء تنصرف على وجهين : النعماء والنقماء [ . . . . . . . . . . . ] .