الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمۡ فَإِن كَانَ لَكُمۡ فَتۡحٞ مِّنَ ٱللَّهِ قَالُوٓاْ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡ وَإِن كَانَ لِلۡكَٰفِرِينَ نَصِيبٞ قَالُوٓاْ أَلَمۡ نَسۡتَحۡوِذۡ عَلَيۡكُمۡ وَنَمۡنَعۡكُم مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۚ فَٱللَّهُ يَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَلَن يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لِلۡكَٰفِرِينَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ سَبِيلًا} (141)

{ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ } أي ينتظرون بكم الدوائر يعني المنافقين { فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ } يعني النصر والغنيمة { قَالُواْ أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ } على دينكم فأعطونا من الغنيمة { وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ } يعني دولة وظهوراً على المسلمين { قَالُواْ } يعني المنافقين { أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ } ألم نخبركم بعزيمة محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونطلعكم على سرّهم .

وقال أهل اللغة : ألم نستحوذ عليكم ويغلب عليكم قال : إستحوذ أي غلب .

وفي الحديث كان عمر أحوذنا أي غالب أمرنا في الحق .

وقال العجّاج : يحوذهن وله حوذى .

[ كما يحوذ الفئة ] الكميّ .

الكميّ . أي يغلب عليها ويجمعها ، ويروى بالزاي فيهما .

وقال النحويون : استحوذ خرج على الأصل ، فمن قال : حاذ يحوذ لم يقل إلاّ استحاذ يستحذ وإن كان أحوذ يحوذ كما قال بعضهم : أحوذت [ وأطّيبت ] بمعنى أحذتُ وأطبت . قال إستحوذ إستخرجه على الأصل { وَنَمْنَعْكُمْ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ } ونمنعكم منازلة المؤمنين { فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } يعني بين أهل الإيمان وأهل النفاق ثم يفصل بينهم { وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } .

عكرمة والضحاك عن ابن عباس يعني حجة .

الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : ولن يجعل الله الكافرين على المؤمنين يعني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم سبيلاً يعني ظهوراً عليهم .

وقال علي ( رضي الله عنه ) : ولن يجعل الله الكافرين على المؤمنين في الآخرة ، وفي هذه الآية دليل على أن المنافق ليس بمؤمن وليس الإيمان هو الإقرار فقط ، اذ لو كان الإيمان هو الإقرار لكانوا بذلك هم مؤمنين .

وفيه دليل أيضاً على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم لأن القوم كانوا كاتمين اعتقادهم فأظهر الله عز وجل رسوله على اعتقادهم وكان ذلك حجة له عليهم إذ علموا إنه لايطلع على ضمائر القلوب إلا البارىء جل وعز .