تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمۡ فَإِن كَانَ لَكُمۡ فَتۡحٞ مِّنَ ٱللَّهِ قَالُوٓاْ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡ وَإِن كَانَ لِلۡكَٰفِرِينَ نَصِيبٞ قَالُوٓاْ أَلَمۡ نَسۡتَحۡوِذۡ عَلَيۡكُمۡ وَنَمۡنَعۡكُم مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۚ فَٱللَّهُ يَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَلَن يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لِلۡكَٰفِرِينَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ سَبِيلًا} (141)

الآية 141

وقوله تعالى : { الذين يتربصون بكم } يحتمل وجهين ؛ يحتمل{ يتربصون } الغنيمة والنصر . فإذا كان الفتح للمؤمنين{ قالوا ألم تكن معكم } في الإيمان والأحكام كلها ؛ يطلبون الغنيمة والاشتراك فيها كقوله تعالى : { أشحة على الخير } الآية ( الأحزاب : 19 ) وإذا كنت الدبرة والبوار على المؤمنين للكافرين يقولون : { ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين } بقولهم : { إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم } ( آل عمران : 173 ) وكقوله تعالى : { قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا }الآية ( الأحزاب : 18 ) كانوا بين المسلمين كعيون لهم يخبرون{[6687]} عوراتهم ، ويطلعونهم على مقصود المؤمنين ؛ فذلك منعهم من المؤمنين واستحواذهم عليهم ، والله أعلم .

ويحتمل{ يتربصون بكم } يعني أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه عندهم بألا يدوم ذلك بل ينقلب {[6688]} عن قريب ، والله أعلم . ويحتمل{ يتربصون } ما ذكر من قوله تعالى : { وتربصتم وارتبتم } ( الحديد : 14 ) ثم خرج تأويله في قوله تعالى : { فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة } ( المائدة : 52 ) . ثم خص ذلك بقوله تعالى : { ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر }الآية( التوبة : 98 ) . فبين أنهم يتربصون لانقلاب الأمر ورجوعه إلى أعداء الله . فمتى ظهرت لهم العواقب وأظهروا الذي دينهم في الحقيقة أنه كان لسعة الدنيا /117- ب/ ونعيمها كقوله عز وجل : { وإن منكم لمن ليبطئن } الآية ( النساء : 72 ) وقوله تعالى : { ومن النساء من يعبد الله على حرف } الآية ( الحج : 11 ) .

وقوله تعالى : { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } يحتمل هذا أيضا وجهين : يحتمل{ ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } في الحجج في الدنيا : أي ليس للكافرين الحجة على المؤمنين في الدين من شيء إلا أن يموهوا{[6689]} عليه ، ويفتعلوا{[6690]} به بعجز المؤمنين{[6691]} في إقامة الحجة عليهم{[6692]} ودفع( تمويهاتهم . وليس للكافرين ){[6693]} { على المؤمنين سبيلا }في الآخرة على دفع شهادتهم لأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم يشهدون عليهم كقوله تعالى : { لتكونوا شهداء على الناس } ( البقرة : 143 ) ( ثم لا سبيل لهم على دفع شهادتهم ) {[6694]}لأن أمة محمد( هم الذين يشهدون ){[6695]} عليهم ، ( ويردون شهادتهم ){[6696]} ، والله أعلم .

( ويحتمل ){[6697]}{ ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } في الحجة أو في الشهادة أو عند الله في الخصومة ، وإنما إذا {[6698]} دعوا إلى كتبهم أجابوا في ما دعاهم إلى الإيمان بالكتب والرسل عليه السلام أو في النصر ، فيرجع أمره على العواقب ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ألم نستحوذ عليكم } ؛ ( قيل ){[6699]} الاستحواذ الغلبة ، وقيل : الاستيلاء .

وقال بعضهم : ألم نخبركم بعورة محمد وأصحابه ، ونطلعكم على سرهم ، ونكتب به إليكم ؟

وعن ابن عباس رضي الله عنه ( أنه قال ){[6700]} : ألم نحط من ورائكم ؟ وفي حرف ابن مسعود رضي الله عنه { ألم نستحوذ عليكم } ومنعناكم من المؤمنين ؟

قال الكسائي : هذا في كلام العرب كثير ظاهر ، ومعنى{ ألم نستحوذ } إنا استحوذنا ، ومنعناكم ، وهو ظريف .

وأصل الاستحواذ الغلبة والقهر ، وهو ما ذكرنا أنهم يجيئون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون { إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم } ( آل عمران : 173 ) .

( وقوله تعالى ){[6701]} : { فالله يعلم بينكم يوم القيامة } ويحكم بينهم ، والله أعلم ، أن ينزل المؤمنين الجنة والمنافقين النار{ ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } في الحجة على ما ذكرنا . وكذلك روي عن ابن عباس رضي الله عنه : يقال : حجة ، وقيل : ظهورا ، لكن الأول أشبه . ويحتمل ما ذكرنا من الشهادة أنه جعل يوم القيامة للمؤمنين الشهادة عليهم ، ولم يجعل لهم إلى دفعها وردها عن{[6702]} أنفسهم سبيلا ، والله أعلم .


[6687]:من م، في الأصل: ليغيرون.
[6688]:في الأصل وم: ينفع.
[6689]:في الأصل وم: يموه.
[6690]:في الأصل وم: ويفتعل.
[6691]:في الأصل وم: المؤمن.
[6692]:في الأصل وم: عليه.
[6693]:في الأصل وم: تمويهاتها وإلا ليس للكافر.
[6694]:من م، ساقطة من الأصل.
[6695]:في الأصل وم: التي.
[6696]:في الأصل وم: وردوها.
[6697]:في الأصل وم: أيضا وهو الوجه الثاني.
[6698]:أدرجت في الأصل وم: قبل: أجابوا.
[6699]:ساقطة من الأصل وم.
[6700]:ساقطة من الأصل وم.
[6701]:ساقطة من الأصل وم.
[6702]:في الأصل وم: على.