الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمۡ فَإِن كَانَ لَكُمۡ فَتۡحٞ مِّنَ ٱللَّهِ قَالُوٓاْ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡ وَإِن كَانَ لِلۡكَٰفِرِينَ نَصِيبٞ قَالُوٓاْ أَلَمۡ نَسۡتَحۡوِذۡ عَلَيۡكُمۡ وَنَمۡنَعۡكُم مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۚ فَٱللَّهُ يَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَلَن يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لِلۡكَٰفِرِينَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ سَبِيلًا} (141)

قوله تعالى : { الذين يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ . . . } [ النساء :141 ] .

هذه صفةُ المنافقينَ ، و{ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ } معناه : ينتظِرُونَ دَوْرَ الدوائرِ عليكم ، فإن كان فَتْحٌ للمؤْمِنِينَ ، ادّعوا فيه النصيبَ بحُكْمِ ما يظهرونه من الإيمان ، وإن كان للكافِرِينَ نَيْلٌ من المؤمنين ، ادعوا فيه النَّصِيبَ بحُكْمِ ما يبطنونه من موالاةِ الكُفَّار ، وهذا حالُ المنافقينَ ، و{ نَسْتَحْوِذْ } معناه : نَغْلِبُ على أمرِكِم ونَحُوطُكُمْ ، ومنه : { استحوذ عَلَيْهِمُ الشيطان }[ المجادلة : 19 ] ، معناه : غَلَبَ على أمرهم ، ثم سلى سبحانه المؤمنينَ ، وأنَّسهم بما وَعَدَهُم به في قوله : { فالله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ القيامة } أيْ : وبينهم ، وينصفُكُم من جميعهم ، وبقوله تعالى : { وَلَن يَجْعَلَ الله للكافرين عَلَى المؤمنين سَبِيلاً } أيْ : يوم القيامة ، قاله عليٌّ ( رضي اللَّه عنه ) ، وعليه جميعُ أهْل التَّأوِيلِ ، والسَّبيلُ ( هنا ) : الحُجَّة والغَلَبَةُ .

قلت : إِلاَّ ابنَ العَرَبِيِّ لم يرتَض هذا التأويلَ ، قال : وإنما معنى الآية أحَدُ ثلاثةِ وُجُوهٍ :

الأول : لن يجعل اللَّه للكافِرِينَ عَلَى المؤمنينَ سَبيلاً يَمْحُو به دَوْلَةَ المؤمنين ، ويستبيحُ بَيْضَتَهُمْ .

الثاني : لَنْ يجعل اللَّه للكافِرِينَ عَلَى المُؤْمنين سبيلاً إلاَّ أنْ يتواصَوْا بالباطِلِ ، ولا يَتَنَاهَوْا عن المُنْكَر ، ويتباعدوا عن التَّوْبَةِ ، فيكونُ تسليطُ العَدُوِّ مِنْ قِبَلِهِمْ ، وهذا نَفِيسٌ جِدًّا .

الثالث : لن يجعلَ اللَّه للكافرينَ عَلَى المؤمنينَ سبيلاً بالشَّرْع ، فإن وُجِدَ ذلك ، فبخلاف الشرْعِ ، ونَزَعَ بهذا علماؤُنا ، بالاحْتجاجِ على أنَّ الكافر لا يَمْلِكُ العَبْدَ المُسْلِمَ ، انتهى .

ومخادعَةُ المنافقين : هي لأولياءِ اللَّهِ ، ففِي الكلامِ حَذْفُ مضَافٍ ، إذْ لا يقصد أحَدٌ من البشر مخادَعَةَ اللَّهِ سبحانه .