الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{لَّقَدۡ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءۡيَا بِٱلۡحَقِّۖ لَتَدۡخُلُنَّ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمۡ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَۖ فَعَلِمَ مَا لَمۡ تَعۡلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتۡحٗا قَرِيبًا} (27)

{ لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ } محمّداً عليه السلام . { الرُّءْيَا } التي أراها إيّاه في مخرجه إلى الحديبية ، أنّه يدخل هو وأصحابه المسجد الحرام . { بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَآءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ } كلّها { وَمُقَصِّرِينَ } بعض رؤوسكم { لاَ تَخَافُونَ } وقوله : { لَتَدْخُلُنَّ } يعني وقال : { لَتَدْخُلُنَّ } لأنّ عبارة ( الرؤيا ) قول ، وقال ابن كيسان : قوله : { لَتَدْخُلُنَّ } من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه حكاية عن رؤياه ، فأخبر الله تعالى ، عن رسوله أنّه قال ذلك ، ولهذا استثنى تأدّباً بأدب الله تعالى حيث قال له :

{ وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ } [ الكهف : 23-24 ] ، وقال أبو عبيدة : { إِن } بمعنى إذ مجازه إذ شاء الله كقوله :

{ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [ النور : 17 ]

{ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } [ النور : 33 ] .

وقال الحسين بن الفضل : يجوز أن يكون الاستثناء من الدخول لأنّ بين ( الرؤيا ) وتصديقها سنة ، ومات منهم في السنة أُناس ، فمجاز الآية لتدخلن المسجد الحرام كلّكم إن شاء الله آمنين .

ويجوز أن يكون الاستثناء واقعاً على الخوف ، والأمن لا على الدخول ، لأنّ الدخول لم يكن فيه شك ، لقوله صلى الله عليه وسلم عند دخول المقبرة : " وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون " فالاستثناء واقع على اللحوق دون الموت .

{ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ } أنّ الصلاح كان في الصلح ، وهو قوله : { وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ } . . الآية . { فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ } أي من دون دخولهما المسجد الحرام ، وتحقيق رؤيا رسول الله { فَتْحاً قَرِيباً } وهو صلح الحديبية عن أكثر المفسِّرين ، قال الزهري : ما فتح في الإسلام كان أعظم من صلح الحديبية ، لأنّه إنّما كان القتال حيث التقى النّاس ، فلمّا كانت الهدنة وضعت الحرب ، وأمِنَ النّاس بعضهم بعضاً ، فالتقوا فتفاوضوا في الحديث ، والمناظرة ، فلم يكلّم أحد بالإسلام بعقل شيئاً إلاّ دخل فيه في تينك السنتين في الإسلام ، مثل من كان في الإسلام قبل ذلك وأكثر ، وقال ابن زيد : هو فتح خيبر فتحها الله تعالى عليهم حين رجعوا من الحديبية ، فقسّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الحديبية كلّهم إلاّ رجلاً واحداً من الأنصار ، وهو أبو دجانة سماك بن خرشة كان قد شهد الحديبية ، وغاب عن خيبر .