الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَلَقَدۡ ذَرَأۡنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ لَهُمۡ قُلُوبٞ لَّا يَفۡقَهُونَ بِهَا وَلَهُمۡ أَعۡيُنٞ لَّا يُبۡصِرُونَ بِهَا وَلَهُمۡ ءَاذَانٞ لَّا يَسۡمَعُونَ بِهَآۚ أُوْلَـٰٓئِكَ كَٱلۡأَنۡعَٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡغَٰفِلُونَ} (179)

{ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ } وإنما قال ذلك لنفاد علمه فيهم بأنهم يصيرون إليها بكفرهم بربهم ويُسمّي بعض أهل المعاني هذه اللام لام [ الصيرورة ] فيه كقوله : { فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [ القصص : 8 ] . وأنشدوا :أموالنا لذوي الميراث نجمعها [ ودورنا ] لخراب الدهر نبنيها

وقال الآخر :

فللموت تغدو الوالدات سخالها *** كمالخراب الدهر تبنى المساكن

وروى عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية قال :

{ إن الله تعالى كما ذرأ لجهنم ما ذرأ كان ولد الزنا ممن ذرأ لجهنم }

، ثمّ وصفهم فقال { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا } ولا يعلمون الخير والهدى { وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا } طريق الحق والرشاد { وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ } مواعظ الله والقرآن فيفكرون ويعتبرون بها فيعرفون بذلك توحيد الله ثمّ يعملون بتحقيق [ النبوّة ] فآتينا بهم ثمّ ضرب لهم مثلاً في الجهل والاقتصاد على الشرب والأكل وبعدهم من موجبات العمل . وقال عز من قائل { أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } لأن الأنعام تعرف ربها وتذكره ويطيعوه والكافرون لا يعرفون ربهم ولا يطيعونه وفي الخبر : " كل شيء أطوع لله من ابن آدم " .

{ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } .