جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِكٞۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (3)

القول في تأويل قوله تعالى : { الزّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } .

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : نزلت هذه الآية في بعض من استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاح نسوة كنّ معروفات بالزنا من أهل الشرك ، وكنّ أصحاب رايات ، يُكْرِين أنفسهنّ ، فأنزل الله تحريمهنّ على المؤمنين ، فقال : الزاني من المؤمنين لا يتزوّج إلاّ زانية أو مشركة ، لأنهنّ كذلك والزانية من أولئك البغايا لا ينكحها إلاّ زان من المؤمنين أو المشركين أو مشرك مثلها ، لأنهنّ كنّ مشركات . وَحُرّمَ ذلكَ عَلى المُؤْمِنِينَ فحرّم الله نكاحهنّ في قول أهل هذه المقالة بهذه الآية . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، قال : ثني الحضرميّ ، عن القاسم بن محمد ، عن عبد الله بن عمرو : أن رجلاً من المسلمين استأذن نبيّ الله في امرأة يقال لها أمّ مهزول ، كانت تسافح الرجل وتشترط له أن تنفق عليه ، وأنه استأذن فيها نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وذكر له أمرها ، قال : فقرأ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم : الزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ أو قال : فأنزلت الزانية . . . .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثني هُشَيم ، عن التيميّ ، عن القاسم بن محمد ، عن عبد الله بن عمرو في قوله : الزّاني لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِيَةً أوْ مُشْرِكَةً ، وَالزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ قال : كنّ نساء معلومات ، قال : فكان الرجل من فقراء المسلمين يتزوّج المرأة منهنّ لتنفق عليه ، فنهاهم الله عن ذلك .

قال : أخبرنا سليمان التيمي ، عن سعيد بن المسيب ، قال : كنّ نساء موارد بالمدينة .

حدثنا أحمد بن المِقدام ، قال : حدثنا المعتمر ، قال : سمعت أبي ، قال : حدثنا قَتادة ، عن سعيد بن المسيب في هذه الآية : وَالزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ قال : نزلت في نساء موارد كنّ بالمدينة .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عاصم الكلابيّ ، قال : حدثنا معتمر ، عن أبيه ، عن قَتادة ، عن سعيد ، بنحوه .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، عن رجل ، عن عمرو بن شعيب ، قال : كان لمرثَد صديقة في الجاهلية يقال لها عِناق ، وكان رجلاً شديدا ، وكان يقال له دُلْدُل ، وكان يأتي مكة فيحمل ضَعَفة المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلقي صديقته ، فدعته إلى نفسها ، فقال : إن الله قد حرّم الزنا فقالت : أنّى تَبْرُز فخشي أن تشيع عليه ، فرجع إلى المدينة ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله كانت لي صديقة في الجاهلية ، فهل ترى لي نكاحها ؟ قال : فأنزل الله : الزّاني لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِيَةً أوْ مُشْرِكَةً وَالزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ قال : كنّ نساء معلومات يُدْعَوْن القليقيات .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن إبراهيم بن مهاجر ، قال : سمعت مجاهدا يقول في هذه الآية : الزّاني لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِيَةً أوْ مُشَرِكَةً قال : كنّ بغايا في الجاهلية .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، عن عبد الملك ، عمن أخبره ، عن مجاهد ، نحوا من حديث ابن المثنى ، إلاّ أنه قال : كانت امرأَة منهنّ يقال لها : أمّ مهزول يعني في قوله : الزّانِي لا ينْكِحُ إلاّ زَانِيَةً أوْ مُشْرِكَةً قال : فكنّ نساء معلومات ، قال : فكان الرجل من فقراء المسلمين يتزوّج المرأة منهنّ لتنفق عليه ، فنهاهم الله عن ذلك . هذا من حديث التيميّ .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : الزّاني لا يَنْكحُ إلاّ زَانيَةً قال : رجال كانوا يريدون الزنا بنساء زوان بغايا متعالمَات كنّ في الجاهلية ، فقيل لهم هذا حرام ، فأرادوا نكاحهن ، فحرم الله عليهم نكاحهن .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، بنحوه ، إلاّ أنه قال : بغايا مُعْلِنات كنّ كذلك في الجاهلية .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه وإسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبيّ وابن أبي ذئب ، عن شعبة ، عن ابن عباس ، قال : كنّ بغايا في الجاهلية ، على أبوابهنّ رايات مثل رايات البيطار يعرفن بها .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن قيس بن سعد ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس ، قال : نساء بغايا متعالمَات ، حرّم الله نكاحهنّ ، لا ينكحهنّ إلاّ زان من المؤمنين أو مشرك من المشركين .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : الزّانِي لا يَنْكحُ إلاّ زَانِيَةً أوْ مُشْرِكَةً وَالزّانيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ وحُرّمَ ذلكَ عَلى المُؤْمِنينَ قال : كانت بيوتٌ تسمى المواخير في الجاهلية ، وكانوا يؤاجرون فيها فتياتهنّ ، وكانت بيوتا معلومة للزنا ، لا يدخل عليهنّ ولا يأتيهنّ إلاّ زان من أهل القبلة أو مشرك من أهل الأوثان ، فحرّم الله ذلك على المؤمنين .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ابن جُرَيج ، عن عطاء ، في قوله : الزّانِي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانيَةً أوْ مُشْرِكَةً والزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ قال : بغايا متعالمَات كنّ في الجاهلية بغيّ آل فلان وبغيّ آل فلان ، فأنزل الله : الزّانِي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِيَةً أوْ مُشْرِكَةً والزّانيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ وَحُرّمَ ذلكَ عَلى المُؤْمِنِينَ فحكم الله بذلك من أمر الجاهلية على الإسلام . فقال له سليمان بن موسى : أبلغك ذلك عن ابن عباس ؟ فقال : نعم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : سمعت عطاء بن أبي رباح يقول في ذلك : كنّ بغايا متعالمَات بغيّ آل فلان وبغيّ آل فلان ، وكنّ زواني مشركات ، فقال : الزّانِي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِيَةً أوْ مُشْرِكَةً والزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ وَحُرّمَ ذلكَ عَلى المُؤْمِنِينَ قال : أَحَكَم الله من أمر الجاهلية بهذا . قيل له : أبلغك هذا عن ابن عباس ؟ قال : نعم .

قال ابن جريج : وقال عكرِمة : إنه كان يسمّي تسعا بعد صواحب الرايات ، وكنّ أكثر من ذلك ، ولكن هؤلاء أصحاب الرايات : أمّ مهزول جارية السائب بن أبي السائب المخزوميّ ، وأمّ عُلَيط جارية صفوان بن أمية ، وحنّة القبطية جارية العاصي بن وائل ، ومَرِيّة جارية مالك بن عميلة بن السباق بن عبد الدار ، وحلالة جارية سهيل بن عمرو ، وأمّ سويد جارية عمرو بن عثمان المخزومي ، وسريفة جارية زمعة بن الأسود ، وفرسة جارية هشام بن ربيعة بن حبيب بن حذيفة بن جبل بن مالك بن عامر بن لؤُيّ ، وقريبا جارية هلال بن أنس بن جابر بن نمر بن غالب بن فهر .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، وقال الزهري وقتادة ، قالوا : كان في الجاهلية بغايا معلوم ذلك منهنّ ، فأراد ناس من المسلمين نكاحهنّ ، فأنزل الله : الزّانِي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِيَةً أوْ مُشْرِكَةً وَالزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ . . . الآية .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن نجيح ، عن مجاهد ، وقاله الزهريّ وقتادة ، قالوا : كانوا في الجاهلية بغايا ، ثم ذكر نحوه .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن القاسم بن أبي بَزّة : كان الرجل ينكح الزانية في الجاهلية التي قد علم ذلك منها يتخذها مَأْكلة ، فأراد ناس من المسلمين نكاحهنّ على تلك الجهة ، فُنهوا عن ذلك .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن أبي نجيح ، قال : قال القاسم بن أبي بزّة ، فذكر نحوه .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا سليمان التيميّ ، عن سعيد بن المسيب ، قال : كنّ نساء مَواردَ بالمدينة .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان ، عن سعيد بن جُبير : أن نساء في الجاهلية كنّ يُؤاجرن أنفسهنّ ، وكان الرجل إنما ينكح إحداهنّ يريد أن يصيب منها عَرَضا ، فنهوا عن ذلك ، ونزل : الزّانِي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِيَةً أوْ مُشْرِكَةً والزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ ومنهنّ امرأة يقال لها أمّ مهزول .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، عن إسماعيل ، عن الشعبيّ ، في قوله : الزّانِي لا يَنْكِح إلاّ زَانيَةً أوْ مُشْرِكَةً والزّانيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ قال : كنّ نساء يُكْرِين أنفسهنّ في الجاهلية .

وقال آخرون : معنى ذلك : الزاني لا يزنى إلاّ بزانية أو مشركة ، والزانية لا يزنى بها إلاّ زان أو مشرك . قالوا : ومعنى النكاح في هذا الموضع : الجماع . ذكر من قال ذلك :

حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن حُصَين ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، في قول الله : الزّانِي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِيَةً أوْ مُشْرِكَةً قال : لا يزنى إلاّ بزانية أو مشركة .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن يَعْلَى بن مسلم ، عن سعيد بن جُبير أنه قال في هذه الآية : وَالزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زانٍ أوْ مُشْرِكٌ قال : لا يزنى الزاني إلاّ بزانية مثله أو مشركة .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن شُبْرُمة ، عن سعيد بن جُبير وعكرمة في قوله : الزّانِي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِيَةً أوْ مُشْرِكَةً قالا : هو الوطء .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد ، عن معمر ، قال : قال سعيد بن جُبير ومجاهد : الزّانِي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِيَةً أوْ مُشْرِكَةً قالا : هو الوطء .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك بن مزاحم وشعبة ، عن يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جُبير ، قوله : الزّاني لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِيَةً أوْ مُشْرِكَةً والزّانيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ قالا : لا يزني الزاني حين يزني إلاّ بزانية مثله أو مشركة ، ولا تزني مشركة إلاّ بمثلها .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : الزّاني لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِيَةً أوْ مُشْرِكَةً والزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ قال : هؤلاء بغايا كنّ في الجاهلية ، والنكاح في كتاب الله الإصابة ، لا يصيبها إلاّ زان أو مشرك ، لا يحرم الزنا ، ولا تصيب هي إلاّ مثلها . قال : وكان ابن عباس يقول : بغايا كنّ في الجاهلية .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن قيس بن سعد ، عن سعيد بن جُبير ، قال : إذا زنى بها فهو زان .

حدثنا عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : حدثنا معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : الزّاني لا يَنْكِحُ إلاّ زَانيَةً أوْ مُشْرِكَةً قال : الزاني من أهل القبلة لا يزنى إلاّ بزانية مثله أو مشركة . قال : والزانية من أهل القبلة لا تزنى إلاّ بزان مثلها من أهل القبلة أو مشرك من غير أهل القبلة . ثم قال : وَحُرّمَ ذلكَ على المُؤْمِنينَ .

وقال آخرون : كان هذا حكم الله في كلّ زان وزانية ، حتى نسخه بقوله : وأنْكِحُوا الأيامَى منْكُمْ ، فأحلّ نكاح كلّ مسلمة وإنكاح كلّ مسلم . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، في قوله : الزّاني لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِيَةً أوْ مُشْرِكَةً والزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ وحُرّم ذلكَ عَلى المُؤْمِنِينَ قال : يَرَوْن الآية التي بعدها نسختها : وأنْكِحُوا الأيامَى مِنْكُمْ قال : فهن من أيامى المسلمين .

حدثنا القاسم ، قال حدثنا الحسين قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : أخبرني يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب : الزّاني لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِيَةً أوْ مُشْرِكَةً والزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ قال : نسختها التي بعدها : وأنْكِحُوا الأيامَى مِنْكُمْ وقال : إنهنّ من أيامى المسلمين .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : وذكر عن يحيى ، عن ابن المسيب ، قال : نسختها : وأنْكِحُوا الأيامَى مِنْكُمْ .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، قال : نسختها قوله : وأنْكِحُوا الأيامَى .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا أنس بن عياض ، عن يحيى ، قال : ذكر عند سعيد بن المسيب : الزّانِي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِيَةً أوْ مُشْرِكَةً قال : فسمعته يقول : إنها قد نسختها التي بعدها . ثم قرأها سعيد ، قال : يقول الله : الزّانِي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِيَةً أوْ مُشْرِكَةً ثم يقول الله : وأنْكِحُوا الأيامَى مِنْكُمْ فهنّ من أيامى المسلمين .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال : عُني بالنكاح في هذا الموضع الوطء ، وأن الآية نزلت في البغايا المشركات ذوات الرايات وذلك لقيام الحجة على أن الزانية من المسلمات حرام على كلّ مشرك ، وأن الزاني من المسلمين حرام عليه كلّ مشركة من عَبَدة الأوثان . فمعلوم إذا كان ذلك كذلك أنه لم يُعْنَ بالآية أن الزاني من المؤمنين لا يعقد عقد نكاح على عفيفة من المسلمات ولا ينكح إلاّ بزانية أو مشركة . وإذ كان ذلك كذلك ، فبين أن معنى الآية : الزاني لا يزني إلاّ بزانية لا تستحلّ الزنا أو بمشركة تستحلّه .

وقوله : وَحُرّمَ ذلكَ عَلى المُؤْمِنِينَ يقول : وحرّم الزنا على المؤمنين بالله ورسوله ، وذلك هو النكاح الذي قال جلّ ثناؤه : الزّاني لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِيَةً .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِكٞۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (3)

في هذه الآية أربعة أوجه من التأويل : أحدها أن يكون مقصد الآية تشنيع وتبشيع أمره وأنه محرم على المؤمنين واتصال هذا المعنى بما قبل حسن بليغ ، ويريد بقوله { لا ينكح } أي لا يطأ فيكون النكاح بمعنى الجماع وردد القصة مبالغة وآخذاً من كلا الطرفين ، ثم زاد تقسيم المشرك والمشركة من حيث الشرك أعم في المعاصي من الزنا ، فالمعنى { الزاني } لا يطأ في وقت زناه { إلا زانية } من المسلمين أو من هي أخس منها من المشركات ، وقد روي عن ابن عباس وأصحابه أن النكاح في هذه الآية الوطء ، وأنكر ذلك الزجاج وقال لا يعرف النكاح في كتاب الله إلا بمعنى التزويج ، وليس كما قال ، وفي القرآن { حتى تنكح زوجاً غيره }{[8583]} [ البقرة : 230 ] وقد بينه النبي عليه السلام أنه بمعنى الوطء ، وذكر الطبري ما ينحو إلى هذا التأويل عن سعيد بن جبير وابن عباس وعكرمة ولكن غير ملخص ولا مكمل . والثاني أن تكون الآية نزلت في قوم مخصوصين وهذا قول روي معناه عن عبد الله بن عمر وعن ابن عباس وأصحابه قالوا وهم قوم كانوا يزنون في جاهليتهم ببغايا مشهورات ، فلما جاء الإسلام وأسلموا لم يمكنهم الزنا ، فأرادوا لفقرهم زواج أولئك النسوة إذ كان من عادتهن الإنفاق على من ارتسم بزواجهن فنزلت الآية بسببهن ، والإشارة ب { الزاني } إلى أحد أولئك حمل عليه اسم الزنى الذي كان في الجاهلية ، وقوله { لا ينكح } أي لا يتزوج ، وفي الآية على هذا التأويل معنى التفرغ عليهم وفي ذلك توبيخ كأنه يقول أي مصاب الزاني لا يريد أن يتزوج إلا زانية أو مشركة أي تنزع نفوسهم إلى هذه الخسائس لقلة انضباطهم ، ويرد على هذا التأويل الإجماع على أن { الزانية } لا يجوز أن يتزوجها مشرك ، ثم قوله { وحرم ذلك على المؤمنين } أي نكاح أولئك البغايا ، فيزعم أهل هذا التأويل أن نكاح أولئك البغايا حرمه الله على أمة محمد عليه السلام ومن أشهرهن عناق البغي وكان الذي هم بتزويجها يلقب دولدل{[8584]} كان يستخرج ضعفة المسلمين من مكة سراً ففطنت له ودعته إلى نفسها فأبى الزنى وأراد التزويج ، واستأذن في ذلك النبي عليه السلام ، فنزلت الآية ولما دعته وأبى قالت له : أي تبور والله لأفضحنك{[8585]} ، وذكر الطبري أن من البغايا المذكورات أم مهزول جارية السائب بن أبي السائب المخزومي ، ويقال فيها أم مهزم وأم غليظ{[8586]} جارية صفوان بن أمية ، وحنة القبطية ، جارية العاصي بن وائل ، ومزنة{[8587]} جارية مالك بن عميلة بن سباق ، وخلالة{[8588]} جارية سهيل بن عمرو ، وأم سويد جارية عمرو بن عثمان المخزومي ، وشريفة{[8589]} جارية زمعة بن الأسود ، وفرسة جارية هشام بن ربيعة ، ومرثنا{[8590]} جارية هلال بن أنس ، وغيرهن ممن كانت لهن رايات تعرف منازلهن بها ، وكذلك كان بالمدينة إماء عبد الله بن أَبي وغيره مشهورات ، وحكى الطبري عن ابن عباس أنه قال في سياق هذا التأويل كانت بيوت في الجاهلية تسمى المواخير ، كانوا يؤجرون فيها فتياتهم وكانت بيوتاً معلومة للزنى ، فحرم الله { ذلك على المؤمنين } ، ويحتمل أَن يكون هذا الكلام في التأويل الذي ذكرته قبل هذا ، وواحد المواخير ماخور ومنه قول بعض المحدثين :

في كل واد هبطن فيه دسكرة *** في كل نشز صعدن فيه ماخور{[8591]} .

والتأويل الثالث تأويل ذكره الزجاج وغيره عن الحسن وذلك أَنه قال المراد { الزاني } المحدود { والزانية } المحدودة{[8592]} قال وهذا حكم من الله فلا يجوز لزان محدود أَن يتزوج إلا زانية محدودة ، وروي أن محدوداً تزوج غير محدودة فرد علي بن أبي طالب نكاحهما ، وقوله { حرم ذلك } يريد الزنى ، وحكى الزهراوي في هذا حديثاً من طريق أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله » وهذا حديث لا يصح ، وقول فيه نظر ، وإدخال «المشرك » في الآية يرده ، وألفاظ الآية تأباه وإن قدرت المشركة بمعنى الكتابية فلا حيلة في لفظ المشرك ، ورابع قول روي عن سعيد بن المسيب وذلك أنه قال : هذا حكم كان في الزنى عامة أن لا يتزوج زان إلا زانية جاءت الرخصة ونسخ ذلك بقوله تعالى : { وأنكحوا الأيامى منكم }{[8593]} [ النور : 32 ] وروي ترتيب هذا النسخ أيضاً عن مجاهد ، إلا أنه قال أن التحريم إنما كان في أولئك النفر خاصة لا في الزناة عامة ، ذكر ذلك عنهما أبو عبيدة في ناسخه وذكر عن مجاهد أنه قال : حرم نكاح أولئك البغايا على أولئك النفر .

قال الفقيه الإمام القاضي : وذكر الاشتراك في الآية يضعف هذه المناحي ، وقرأ أبو البرهسم «وحرم الله ذلك على المؤمنين »{[8594]} ، واختلف فيمن زنا بامرأة ثم أراد نكاحها فأجاز ذلك أبو بكر الصديق وابن عمر وجابر بن عبد الله وطاوس وابن الحسيب وجابر بن زيد وعطاء والحسن وعكرمة وابن عباس ومالك والثوري والشافعي{[8595]} ومنعه ابن مسعود والبراء بن عازب وعائشة وقالوا : لا يزالان زانيين ما اجتمعا .


[8583]:من الآية (230) من سورة (البقرة).
[8584]:اسمه مرثد بن أبي مرثد، وكان رجلا قويا شديدا. وكان يساعد الضعفاء من المسلمين على الخروج من مكة سرا.
[8585]:كان يحمل رجلا من أسارى مكة، قال: فجئت به حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة، فعرفته عناق ودعته فأبى، فقالت له: أنى تستطيع البروز بمن معك؟ والله لأفضحنك، ثم نادت: يا أهل الخيام، هذا رجل يحمل أسراكم، فتبعه القوم، قال: فاختبأت منهم في كهف...الخ القصة، وتجدها في الدر المنثور في خبر رواه جمع كبير منهم ابن جرير، والبيهقي وعبد بن حميد وغيرهم.
[8586]:في الطبري: أم (عليط) بالعين، وهي في جميع الأصول هنا بالغين المعجمة.
[8587]:هكذا في الأصول، وفي الطبري: "مرية".
[8588]:في الطبري "حلالة"
[8589]:في الطبري "سريفة" بالسين.
[8590]:في الطبري "قريبا"، وقد رجعنا إلى الطبري لأن ابن عطية نقل الكلام عنه.
[8591]:الدسكرة: القرية العظيمة، والجمع دساكر، والنشز: ما ارتفع وظهر من الأرض، والجمع نشوز ونشاز. والماخور: بيت الريبة، وفي حديث زياد حين قدم البصرة أميرا عليها: ما هذه المواخير؟ الشراب عليه حرام حتى تسوى بالأرض هدما وإحراقا، قال في اللسان: "هي مجلس الريبة، ومجمع أهل الفسق والفساد، وبيوت الخمارين".
[8592]:يريد: الذي أقيم عليه الحد بالجلد والتغريب.
[8593]:من الآية (32) من هذه السورة (النور).
[8594]:في البحر المحيط: "وقرأ أبو البرهثيم [وحرم] مبنيا للفاعل، أي الله"، ومعنى ذلك أن القارئ لم يذكر لفظ في الآية.
[8595]:أخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، من طريق سعيد مولى ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت مع ابن عباس فأتاه رجل فقال: إني كنت أتبع امرأة فأصبت منها ما حرم الله علي، وقد رزقني الله منها توبة فأردت أن أتزوجها فقال الناس: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة}، فقال ابن عباس: ليس هذا موضع هذه الآية، إنما كن نساء بغايا متعالنات، يجعلن على أبوابهن رايات، يأتيهن الناس يعرفن بذلك، فأنزل الله هذه الآية. تزوجها فما كان فيها من إثم فعلي.