جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَوۡلَا يَنۡهَىٰهُمُ ٱلرَّبَّـٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ عَن قَوۡلِهِمُ ٱلۡإِثۡمَ وَأَكۡلِهِمُ ٱلسُّحۡتَۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ} (63)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرّبّانِيّونَ وَالأحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } . .

يقول تعالى ذكره : هلا ينهى هؤلاء الذين يسارعون في الإثم والعدوان وأكل الرشا في الحكم من اليهود من بني إسرائيل ربانيوهم ، وهم أئمتهم المؤمنون ، وساستهم العلماء بسياستهم وأحبارهم ، وهم علماؤهم وقوّادهم عَنْ قَوْلِهِمُ الإثْمَ يعني : عن قول الكذب والزور وذلك أنهم كانوا يحكمون فيهم بغير حكم الله ، ويكتبون كتبا بأيديهم ثم يقولون : هذا من حكم الله ، وهذا من كتبه . يقول الله : فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا كَتَبَتْ أيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا يَكْسِبُونَ .

وأما قوله : وأكْلِهِمْ السّحْتُ فإنه يعني به الرشوة التي كانوا يأخذونها على حكمهم بغير كتاب الله لمن حكموا له به . وقد بينا معنى الربانيين والأحبار ومعنى السحت بشواهد ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ وهذا قسم من الله أقسم به ، يقول تعالى ذكره : أقسمُ لبئس الصنيع كان يصنع هؤلاء الربانيون والأحبار في تركهم نهى الذين يسارعون منهم في الإثم والعدوان وأكل السحت عما كانوا يفعلون من ذلك . وكان العلماء يقولون : ما في القرآن آية أشدّ توبيخا للعلماء من هذه الاَية ولا أخوف عليهم منها .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الله بن داود ، قال : حدثنا سلمة بن نُبَيط ، عن الضحاك بن مزاحم في قوله : لَوْلا يَنْهاهُمُ الرّبّانِيّونَ والأحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإثْمَ قال : ما في القرآن آية أخوف عندي منها أنّا لا ننهى .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن عطية ، قال : حدثنا قيس ، عن العلاء بن المسيب ، عن خالد بن دينار ، عن ابن عباس ، قال : ما في القرآن آية أشدّ توبيخا من هذه الاَية : لَوْلا يَنْهاهُمُ الرّبّانِيّونَ والأحبْارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإثْمَ وأكْلِهِمُ السّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ قال : كذا قرأ .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا هناد ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك : لَوْلا يَنْهاهُمُ الرّبّانِيّونَ والأحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإثْمَ وأكْلِهِمُ السّحْتُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : لَوْلا يَنْاهُمُ الرّبّانِيّونَ والأحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإثْمَ وأكْلِهِمُ السّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ يعني الربانيين أنهم لبئس ما كانوا يصنعون .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَوۡلَا يَنۡهَىٰهُمُ ٱلرَّبَّـٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ عَن قَوۡلِهِمُ ٱلۡإِثۡمَ وَأَكۡلِهِمُ ٱلسُّحۡتَۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ} (63)

{ لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت } تحضيض لعلمائهم على النهي عن ذلك فإن لولا إذا دخل على الماضي أفاد التوبيخ وإذا دخل على المستقبل أفاد التحضيض . { لبئس ما كانوا يصنعون } أبلغ من قوله لبئس ما كانوا يعملون من حيث إن الصنع عمل الإنسان بعد تدرب فيه وترو وتحري إجادة ، ولذلك ذم به خواصهم ولأن ترك الحسنة أقبح من مواقعة المعصية ، لأن النفس تلتذ بها وتميل إليها ولا كذلك ترك الإنكار عليها فكان جديرا بأبلغ الذم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَوۡلَا يَنۡهَىٰهُمُ ٱلرَّبَّـٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ عَن قَوۡلِهِمُ ٱلۡإِثۡمَ وَأَكۡلِهِمُ ٱلسُّحۡتَۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ} (63)

وقوله تعالى : { لولا ينهاهم الربانيون والأحبار } تخصيص في ضمنه توبيخ لهم إذ تركوا اللازم ، قال الطبري : كل العلماء يقولون ما في القرآن آية هي أشد توبيخاً للعلماء من هذه الآية ولا أخوف عليهم منها ، وقال الضحاك بن مزاحم : ما في القرآن آية أخوف عندي منها إنا لا َنْنهى ، وقال نحو هذا ابن عباس ، وقرأ الجراح وأبو واقد «الرِبانيون » بكسر الراء واحدهم ربي إما منسوب إلى علم الرب وإما من تربية الناس بصغار العلم قبل كباره ، وزيدت النون في نسبته مبالغة كشعراني ومنظراني ومخبراني ، وقال الحسن : الرباني عالم الإنجيل والحبر عالم التوراة .

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وقوله في الرباني شاذ بعيد . و { الأحبار } واحدهم حبر بكسر الحاء وفتحها وهم العلماء الذين لا يعنون لإصلاح الناس ولا يكلفون ذلك ، والرباني هو العالم المدير المصلح ، وقوله تعالى : { عن قولهم الإثم } ظاهر أن { الإثم } هنا يراد به الكفر ، ويحتمل أن يراد به سائر أقوالهم المنكرة في النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، وقرأ عباس «بئس ما كانوا يصنعون » بغير لام قسم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَوۡلَا يَنۡهَىٰهُمُ ٱلرَّبَّـٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ عَن قَوۡلِهِمُ ٱلۡإِثۡمَ وَأَكۡلِهِمُ ٱلسُّحۡتَۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ} (63)

{ لولا } تحْضيض أريد منه التّوبيخ .

و { الربّانيون والأحبار } تقدّم بيان معناهما في قوله تعالى : { يحكم بها النبيئون } [ المائدة : 44 ] الآية .

واقتصر في توبيخ الربّانيين على ترك نهيهم عن قول الإثم وأكللِ السحت ، ولم يذكر العُدوان إيماء إلى أنّ العدوان يزجرهم عنه المسلمون ولا يلتجئون في زجرهم إلى غيرهم ، لأنّ الاعتماد في النصرة على غير المجني عليه ، ضعف .

وجملة { لبئس ما كانوا يصنعون } مستأنفة ، ذمّ لصنيع الربّانيين والأحبار في سكوتهم عن تغيير المنكر ، و { يصنعون } بمعنى يعْلمون ، وإنّما خولف هنا ما تقدّم فيّ الآية قبلها للتّفنن ، وقيل : لأنّ { يصنعون } أدلّ على التمكّن في العمل من { يعملون } .

واللام للقسم .