القول في تأويل قوله تعالى : { مّا يَفْتَحِ اللّهُ لِلنّاسِ مِن رّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } .
يقول تعالى ذكره : مفاتيح الخير ومغالقه كلها بيده فما يفتح الله للناس من خير فلا مُغلق له ، ولا ممسك عنهم ، لأن ذلك أمره لا يستطيع أمره أحد ، وكذلك ما يغلق من خير عنهم فلا يبسطه عليهم ، ولا يفتحه لهم ، فلا فاتح له سواه ، لأن الأمور كلها إليه وله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ما يَفْتَحِ اللّهُ للنّاس مِنْ رَحْمَةٍ : أي من خير فَلا مُمْسِكَ لَهَا فلا يستطيع أحد حبسها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلُ لَهُ مِنْ بَعْدهِ .
وقال تعالى ذكره : فَلا مُمْسِكَ لَهَا فأنث ما لذكر الرحمة من بعده ، وقال : وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ فذكر للفظ «ما » لأن لفظه لفظ مذكر ، ولو أنّث في موضع التذكير للمعنى ، وذكر في موضع التأنيث للفظ جاز ، ولكنّ الأفصح من الكلام التأنيث إذا ظهر بعد ما يدلّ على تأنيثها والتذكير إذا لم يظهر ذلك .
وقوله : وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ يقول : وهو العزيز في نِقمته ممن انتقم منه من خلقه بحبس رحمته عنه وخيراته ، الحكيم في تدبير خلقه ، وفتحه لهم الرحمة إذا كان فتح ذلك صلاحا ، وإمساكه إياه عنهم إذا كان إمساكه حكمة .
{ ما يفتح الله للناس } ما يطلق لهم ويرسل وهو من تجوز السبب للمسبب . { من رحمة } كنعمة وأمن وصحة وعلم ونبوة . { فلا ممسك لها } يحبسها . { وما يمسك فلا مرسل له } يطلقه ، واختلاف الضميرين لأن الموصول الأول مفسر بالرحمة والثاني مطلق بتناولها والغضب ، وفي ذلك إشعار بأن رحمته سبقت غضبه من بعده من بعد إمساكه { وهو العزيز } الغالب على ما يشاء ليس أحد أن ينازعه فيه . { الحكيم } لا يفعل إلا بعلم وإتقان .
وقوله { ما يفتح الله } { ما } شرط ، و { يفتح } جزم بالشرط ، وقوله { من رحمة } عام في كل خير يعطيه الله تعالى للعباد جماعتهم وأفذاذهم ، وقوله { من بعده } فيه حذف مضاف أي من بعد إمساكه ، ومن هذه الآية سمت الصوفية ما تعطاه من الأموال والمطاعم وغير ذلك الفتوحات ، ومنها كان أبو هريرة يقول " مطرنا بنوء الفتح " ، ويقرأ الآية{[9689]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.