القول في تأويل قوله تعالى : { وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً وَاذْكُرُوَاْ إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثّرَكُمْ وَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ } .
يعني بقوله : وَلا تَقْعُدُوا بِكُلّ صِراطٍ تُوعِدُونَ : ولا تجلسوا بكلّ طريق وهو الصراط توعدون المؤمنين بالقتل . وكانوا فيما ذكر يقعدوه على طريق من قصد شعيبا وأراده ليؤمن به ، فيتوعدونه ويخوّفونه ويقولون : إنه كذّاب . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : بِكُلّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ قال : كانوا يوعدون من أتى شعيبا وغشيه فأراد الإسلام .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَلا تَقْعَدُوا بِكُلّ صِراطٍ تُوعِدُونَ والصراط : الطريق ، يخوّفون الناس أن يأتوا شعيبا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : وَلا تَقْعُدُوا بِكُلّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ قال : كانوا يجلسون في الطريق ، فيخبرون من أتى عليهم أن شعيبا عليه السلام كذّاب ، فلا يفتنْكم عن دينكم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله تعالى : بِكُرّ صِراطٍ تُوعِدُونَ : كلّ سبيل حقّ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، نحوه .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَلا تَقْعُدُوا بِكُلّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ كانوا يقعدون على كلّ طريق يوعدون المؤمنين .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن قيس ، عن السديّ : وَلا تَقْعُدُوا بِكُلّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ قال : العشّارون .
حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن ابي هريرة أو غيره ، شكّ أبو جعفر الرازي قال : أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة أُسري به على خشبة على الطريق لا يمرّ بها ثوب إلا شقته ولا شيء إلا خرقته ، قال : «ما هَذَا يا جُبْريلُ ؟ » قال : هذا مثل أقوام من أمتك يقعدون على الطريق فيقطعونه ثم تلا : وَلا تَقْعُدُوا بكُلّ صِرَاطٍ تُوعَدُونَ وَتَصُدّونَ .
وهذا الخبر الذي ذكرناه عن أبي هريرة يدلّ على أن معناه كان عند أبي هريرة أن نبيّ الله شعيبا إنما نهى قومه بقوله : وَلا تَقْعُدُا بِكُلّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ عن قطع الطريق ، وأنهم كانوا قطاع الطريق . وقيل : وَلا تَقْعُدُوا بِكُلّ صِراطٍ تُوعِدُونَ ولو قيل في غير القرآن : لا تقعدوا في كل صراط كان جائزا فصيحا في الكلام وإنما جاز ذلك لأن الطريق ليس بالمكان المعلوم ، فجاز ذلك كما جاز أن يقال : قعد له بمكان كذا ، وعلى مكان كذا ، وفي مكان كذا . قال : تُوعِدونَ ولم يقل : «تعدون » ، لأن العرب كذلك تفعل فيما أبهمت ولم تفصح به من الوعيد ، تقول : «أوعدته » بالألف «وتقدّم مني إليه وعيد » ، فإذا بينتْ عما أوعدت وأفصحت به ، قالت : «وعدته خيرا ، ووعدته شرّا » بغير ألف ، كما قال جلّ ثناؤه : النّارُ وَعَدَها اللّهُ الّذِينَ كَفَرُوا .
وأما قوله : وَتَصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ فإنه يقول : وتردّون عن طريق الله وهو الردّ عن الإيمان بالله والعمل بطاعته من آمن به ، يقول : تردّون عن طريق الله من صدّق بالله ووحده . وتَبْغُونَها عِوَجا يقول : وتلتمسون لمن سلك سبيل الله وآمن به وعمل بطاعته ، عوجا عن القصد والحقّ إلى الزّيغ والضلال . كما :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَتَصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ قال : أهلها ، وتَبْغُونَها عِوَجا تلتمسون لها الزيغ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وتَبْغُونَها عِوَجا قال : تبغون السبيل عن الحقّ عوجا .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَتَصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ عن الإسلام تبغون السبيل عِوَجا : هلاكا .
وقوله : وَاذْكُرُوا إذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثّرَكُمْ يذكرهم شعيب نعمة الله عندهم بأن كثر جماعتهم بعد أن كانوا قليلاً عددهم ، وأن رفعهم من الذلة والخساسة . يقول لهم : فاشكروا الله الذي أنعم عليكم بذلك وأخلصوا له العبادة ، واتقوا عقوبته بالطاعة ، واحذروا نقمته بترك المعصية . وَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُفْسِدِينَ يقول : وانظروا ما نزل بمن كان قبلكم من الأمم حين عتوا على ربهم وعصوا رسله من المثلات والنقمات ، وكيف وجدوا عقبى عصيانهم إياه ، ألم يهلك بعضهم غرقا بالطوفان وبعضهم رجما بالحجارة وبعضهم بالصيحة ؟ والإفساد في هذا الموضع معناه : معصية الله .
{ ولا تقعدوا بكل صراط توعدون } بكل طريق من طرق الدين كالشيطان ، وصراط الحق وإن كان واحدا لكنه يتشعب إلى معارف وحدود وأحكام ، وكانوا إذا رأوا أحدا يسعى في شيء منها منعوه . وقيل كانوا يجلسون على المراصد فيقولون لمن يريد شعيبا إنه كذاب فلا يفتننك عن دينك ويوعدون لمن آمن به . وقيل كانوا يقطعون الطريق . { وتصدون عن سبيل الله } يعني الذي قعدوا عليه فوضع الظاهر موضع المضمر بيانا لكل صراط ، ودلالة على عظم ما يصدون عنه وتقبيحا لما كانوا عليه أو الإيمان بالله . { من آمن به } أي بالله ، أو بكل صراط على الأول ، ومن مفعول تصدون على إعمال الأقرب ولو كان مفعول توعدون لقال وتصدونهم وتوعدون بما عطف عليه في موقع الحال من الضمير في تقعدوا . { وتبغونها عوجا } وتطلبون لسبيل الله عوجا بإلقاء الشبه ، أو وصفها للناس بأنها معوجة . { واذكروا إذ كنتم قليلا } عددكم أو عُددكم . { فكثّركم } بالبركة في النسل أو المال . { وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين } من الأمم قبلكم فاعتبروا بهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.