ثم بين - سبحانه - أنهم بجانب ضلالهم ، تأخذهم العزة بالإثم إذا ما نصحهم الناصحون بالإقلاع عن هذا الضلال فقال : { وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الذين كَفَرُواْ المنكر يَكَادُونَ يَسْطُونَ بالذين يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتنا . . . } .
وقوله { يَسْطُونَ } من السطو ، بمعنى الوثب والبطش بالغير . يقال : سلطا فلان على فلان ، إذا بطش به بضرب أو شتم أو سرقة أو ما يشبه ذلك .
أى : وإذا تتلى على هؤلاء الظالمين ، آياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا ، من قبل عبادنا المؤمنين { تَعْرِفُ } - أيها الرسول الكريم - { فِي وُجُوهِ الذين كَفَرُواْ } بهذه الآيات البينات { المنكر } أى : ترى فى وجوههم الإنكار لها ، والغضب منها ومن قارئها ، والكراهية والعبوس عند سماعها .
بل ويكادون فوق ذلك ، يبطشون بالمؤمنين الذين يتلون عليهم آياتنا ، ويعتدون عليهم بالسب تارة ، والضرب تارة أخرى .
وذلك لأن هؤلاء الظالمين ، حين عجزوا عن مقارعة الحجة بالحجة لجأوا إلى السطو والعدوان ، وهذا شأن الطغاة الجاهلين فى كل زمان ومكان .
ثم أمر الله - تعالى - رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول لهؤلاء الطغاة على سبيل التهديد والوعيد ، ما من شأنه أن يردعهم عن سطوهم وبغيهم فقال : { قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذلكم } .
أى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء الظالمين ألا أخبركم بما هو أشد ألما من غيظكم على من يتلو عليكم آياته ، ومن همكم بالسطو عليه ؟
أشد من كل ذلك { النار } التى { وَعَدَهَا الله الذين كَفَرُواْ } أى : وعدهم بدخولها ، و بالاصطلاء بسعيرها { وَبِئْسَ المصير } مصير هؤلاء الكافرين .
قال الجمل : وقوله : { النار } خبر مبتدأ محذوف ، كأن سائلا سأل فقال : وما الأشر ؟ فقيل : النار ، أى : هو النار . وحينئذ فالوقف على ذلكم ، أو على النار .
ويصح أن يكون لفظ النار مبتدأ ، والخبر : وعدها الله ، وعلى هذا فالوقف على : كفروا . . .
{ وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ ءاياتنا بينات تَعْرِفُ فِى وُجُوهِ الذين كَفَرُواْ المنكر يكادون يَسْطُونَ بالذين يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ ءاياتنا } .
عطف على جملة { ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطاناً } [ الحج : 71 ] لبيان جُرم آخر من أجرامهم مع جُرم عبادة الأصنام ، وهو جرم تكذيب الرسول والتكذيب بالقرآن .
والآيات هي القرآن لا غيره من المعجزات لقوله { وإذا تتلى عليهم } .
والمنكر : إما الشيء الذي تُنكره الأنظار والنفوس فيكون هنا اسماً ، أي دلائل كراهيتهم وغضبهم وعزمهم على السوء ، وإما مصدر ميمي بمعنى الإنكار كالمُكْرم بمعنى الإكرام . والمَحْملان آيلان إلى معنى أنهم يلوح على وجوههم الغَيْظ والغضب عندما يُتلى عليهم القرآن ويُدعون إلى الإيمان . وهذا كناية عن امتلاء نفوسهم من الإنكار والغيظ حتى تجاوز أثرُه بواطنهم فظهر على وجوههم . كما في قوله تعالى : { تعرف في وجوههم نضرة النعيم } [ المطففين : 24 ] كناية عن وفرة نعيمهم وفرط مسرّتهم به . ولأجل هذه الكناية عدل عن التصريح بنحو : اشتدّ غيظهم ، أو يكادون يتميزون غيظاً ، ونحو قوله : { قلوبهم منكرة وهم مستكبرون } [ النحل : 22 ] .
وتقييد الآيات بوصف البينات لتفظيع إنكارها إياها ، إذ ليس فيها ما يعذر به منكروها .
والخطاب في قوله { تعرف } لكلّ من يصلح للخطاب بدليل قوله { بالذين يتلون عليهم آياتنا } .
والتعبير ب { الذين كفروا } إظهار في مقام الإضمار . ومقتضى الظاهر أن يكون { تعرف في وجوه الذين كفروا } ، أي وجوه الذين يعبدون من دون الله ما لم يُنزّل به سلطاناً ، فخولف مقتضى الظاهر للتسجيل عليهم بالإيماء إلى أن علّة ذلك هو ما يبطنونه من الكفر .
والسُّطُوّ : البطش ، أي يقاربون أن يصولوا على الذين يتلون عليهم الآيات من شدّة الغضب والغيظ من سماع القرآن .
{ والذين يتلون } يجوز أن يكون مراداً به النبي صلى الله عليه وسلم من إطلاق اسم الجمع على الواحد كقوله : { وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم } [ الفرقان : 37 ] ، أي كذّبوا الرسول .
ويجوز أن يراد به من يقرأ عليهم القرآن من المسلمين والرسول ، أما الذين سطوا عليهم من المؤمنين فلعلهم غير الذين قرأوا عليهم القرآن ، أو لعلّ السطو عليهم كان بعد نزول هذه الآية فلا إشكال في ذكر فعل المقاربة .
وجملة { يكادون يسطون } في موضع بدل الاشتمال لجملة { تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر } لأن الهمّ بالسطو مما يشتمل عليه المنكر .
{ قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذلكم النار وَعَدَهَا الله الذين كَفَرُواْ وَبِئْسَ المصير }
استئناف ابتدائي يفيد زيادة إغاظتهم بأن أمرَ الله النبي صلى الله عليه وسلم أن يتلو عليهم ما يفيد أنهم صائرون إلى النار .
والتفريع بالفاء ناشىء من ظهور أثر المنكر على وجوههم فجعل دلالة ملامحهم بمنزلة دلالة الألفاظ . ففرع عليها ما هو جواب عن كلام فيزيدهم غيظاً .
ويجوز كون التفريع على التلاوة المأخوذة من قوله { وإذا تتلى عليهم آياتنا } ، أي اتل عليهم الآيات المنذرة والمبيّنة لكفرهم ، وفرع عليها وعيدهم بالنار .
والاستفهام مستعمل في الاستئذان ، وهو استئذان تهكمي لأنه قد نبأهم بذلك دون أن ينتظر جوابهم .
وشرّ : اسم تفضيل ، أصله أشرّ : كثر حذف الهمزة تخفيفاً ، كما حذفت في خير بمعنى أخير .
والإشارة ب { ذلكم } إلى ما أثار مُنكَرهم وحفيظتهم ، أي بما هو أشد شرّاً عليكم في نفوسكم مما سمعتموه فأغضبكم ، أي فإن كنتم غاضبين لما تُلي عليكم من الآيات فازدادوا غضباً بهذا الذي أنَبّئكم به .
وقوله { النّار } خبر مبتدأ محذوف دل عليه قوله { بشر من ذلكم } . والتقدير : شرّ من ذلكم النّارُ .
فالجملة استئناف بياني ، أي إن سألتم عن الذي هو أشدّ شراً فاعلموا أنه النار .
وجملة { وعدها الله } حال من النّار ، أو هي استئناف .
والتعبير عنهم بقوله : { الذين كفروا } إظهار في مقام الإضمار ، أي وعدها الله إياكم لكفركم .
{ وبئس المصير } أي بئس مصيرهم هي ، فحرف التعريف عوض عن المضاف إليه ، فتكون الجملة إنشاء ذمّ معطوفة على جملة الحال على تقدير القول . ويجوز أن يكون التعريف للجنس فيفيد العموم ، أي بئس المصير هي لمن صار إليها ، فتكون الجملة تذييلاً لما فيها من عموم الحكم للمخاطبين وغيرهم وتكون الواو اعتراضية تذييلية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.