ثم أضاف - سبحانه - إلى هذه التسلية . تسلية أخرى لرسوله صلى الله عليه وسلم فقال - تعالى - : { تَبَارَكَ الذي إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذلك جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً } .
أى : جل شأن الله تعالى ، وتكاثرت خيراته ، فهو - سبحانه - الذى - إن شاء - جعل لك فى هذه الدنيا - أيها الرسول الكريم - خيرا من ذلك الذى اقترحوه من الكنوز والبساتين ، بأن يهبك جنات عظيمة تجرى من تحت أشجارها الأنهار ، ويهبك قصورا فخمة ضخمة .
ولكنه - سبحانه - لم يشأ ذلك ، لأن ما ادخره لك من عطاء كريم خير وأبقى .
فقوله - تعالى - : { إِن شَآءَ } كلام معترض لتقييد عطاء الدنيا ، أى : إن شاء أعطاك فى الدنيا أكثر مما اقترحوه ، أما عطاء الآخرة فهو محقق ولا قيد عليه .
وقوله - سبحانه - : { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار } تفسير لقوله : { خَيْراً مِّن ذلك } فهو بدل أو عطف بيان .
ابتدئت السورة بتعظيم الله وثنائه على أن أنزل الفرقان على رسوله ، وأعقب ذلك بما تلقى به المشركون هذه المزية من الجحود والإنكار الناشىء عن تمسكهم بما اتخذوه من آلهة من صفاتهم ما ينافي الإلهية ، ثم طعنوا في القرآن والذي جاء به بما هو كفران للنعمة ومن جاء بها .
فلما أريد الإعراض عن باطلهم والإقبال على خطاب الرسول بتثبيته وتثبيت المؤمنين أعيد اللفظ الذي ابتدئت به السورة على طريقة وصل الكلام بقوله : { تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك } .
وهذه الجملة استئناف واقع موقع الجواب عن قولهم { أو تكون له جنة } [ الفرقان : 8 ] الخ ، أي إن شاء جعل لك خيراً من الذي اقترحوه ، أي أفضل منه ، أي إن شاء عجله لك في الدنيا ، فالإشارة إلى المذكور من قولهم ، فيجوز أن يكون المراد بالجنات والقصور جناتتٍ في الدنيا وقصوراً فيها ، أي خيراً من الذي اقترحوه دليلاً على صدقك في زعمهم بأن تكون عدة جنات وفيها قصور . وبهذا فسر جمهور المفسرين . وعلى هذا التأويل تكون ( إن ) الشرطية واقعة موقع ( لو ) ، أي أنه لم يشأ ولو شاءه لفعله ولكن الحكمة اقتضت عدم البسط للرسول في هذه الدنيا ولكن المشركين لا يدركون المطالب العالية .
وقال ابن عطية : يحتمل أن يكون المراد بالجنات والقصور ليست التي في الدنيا ، أي هي جنات الخلد وقصور الجنة فيكون وعداً من الله لرسوله .
واقتران هذا الوعد بشرط المشيئة جار على ما تقتضيه العظمة الإلهية وإلا فسياق الوعد يقتضي الجزم بحصوله ، فالله شاء ذلك لا محالة ، بأن يقال : تبارك الذي جعل لك خيراً من ذلك . فموقع { إن شاء } اعتراض .
وأصل المعنى : تبارك الذي جعل لك خيراً من ذلك جنات إلى آخره . ويساعد هذا قراءة ابن كثير وابن عامر وأبي بكر عن عاصم { ويجعلُ لك قصوراً } برفع { يجعلُ } على الاستئناف دون إعمال حرف الشرط ، وقراءة الأكثر بالجزم عطفاً على فعل الشرط وفعل الشرط محقق الحصول بالقرينة ، وهذا المحمل أشد تبكيتاً للمشركين وقطعاً لمجادلتهم ، وقرينة ذلك قوله بعده : { بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا } [ الفرقان : 11 ] ، وهو ضد ومقابل لما أعده لرسوله والمؤمنين .
والقصور : المباني العظيمة الواسعة على وجه الأرض وتقدم في قوله : { تتخذون من سهولها قصوراً } في سورة الأعراف ( 74 ) ، وقوله : { وقصر مشيد } في سورة الحج ( 45 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.