التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِذۡ أَوَى ٱلۡفِتۡيَةُ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةٗ وَهَيِّئۡ لَنَا مِنۡ أَمۡرِنَا رَشَدٗا} (10)

ثم حكى - سبحانه - ما قالوه عندما حطوا رحالهم فى الكهف فقال : إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا : { رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً } .

و " إذ " هنا ظرف منصوب بفعل تقديره : اذكر .

و { أوى } فعل ماض - من باب ضرب - تقول : أوى فلان إلى مسكنه يأوى ، إذا نزله بنفسه . واستقر فيه .

و { الفتية } : جمع قلة لفتى . وهو وصف للإِنسان عندما يكون فى مطلع شبابه .

وقوله : { وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا } : من التهيئة بمعنى : تيسير الأمر وتقريبه وتسهيله حتى لا يخالطه عسر أو مشقة .

والمراد بالأمر هنا : ما كانوا عليه من تركهم لأهليهم ومساكنهم ، ومن مفارقتهم لما كان عليه أعداؤهم من عقائد فاسدة .

والرشد : الاهتداء إلى الطريق المستقيم مع البقاء عليه . وهو ضد الغى . يقال : رشد فلان يرشد رشدا ورشادا ، إذا أصاب الحق .

أى : واذكر - أيها الرسول الكريم - للناس ليعتبروا ، وقت أن خرج هؤلاء الفتية من مساكنهم ، تاركين كل شئ خلفهم من أجل سلامة عقيدتهم فالتجأوا إلى الكهف ، واتخذوه مأوى لهم ، وتضرعوا إلى خالقهم قائلين : يا ربنا آتنا من لدنك رحمة ، تهدى بها قلوبنا ، وتصلح بها شأننا ، وتردُّ بها الفتن عنا ، كما نسألك يا ربنا أن تهيئ لنا من أمرنا الذى نحن عليه - وهو : فرارنا بديننا . وثباتنا على إيماننا - ما يزيدنا سدادا وتوفيقا لطاعتك .

وقال - سبحانه - : { إِذْ أَوَى الفتية . . } بالإِظهار - مع أنه قد سبق الحديث عنهم بأنهم أصحاب الكهف لتحقيق ما كانوا عليه من فتوة ، وللتنصيص على وصفهم الدال على قلتهم ، وعلى أنهم شباب فى مقتبل أعمارهم ، ومع ذلك ضحوا بكل شئ فى سبيل عقيدتهم .

والتعبير بالفعل { أوى } يشعر بأنهم بمجرد عثورهم على الكهف . ألقوا رحالهم فيه واستقروا به استقرار من عثر على ضالته ، وآثروه على مساكنهم المريحة ، لأنه واراهم عن أعين القوم الظالمين .

والتعبير بالفاء فى قوله - سبحانه - { فَقَالُواْ رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً . . } يدل على أنهم بمجرد استقرارهم فى الكهف ابتهلوا إلى الله - تعالى - بهذا الدعاء الجامع لكل خير .

والتنوين فى قوله : { رحمة } : للتهويل والتنويع . أى : آتنا يا ربنا من عندك وحدك لا من غيرك . رحمة عظيمة شاملة لجميع أحوالنا وشئوننا . فهى تشمل الأمان فى المنزل ، والسعة فى الرزق ؛ والمغفرة للذنب .

قال القرطبى ما ملخصه : هذه الآية صريحة فى الفرار بالدين وهجرة الأهل والأوطان . . خوف الفتنة ، ورجاء السلامة بالدين والنجاة من فتنة الكافرين . . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِذۡ أَوَى ٱلۡفِتۡيَةُ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةٗ وَهَيِّئۡ لَنَا مِنۡ أَمۡرِنَا رَشَدٗا} (10)

{ إذ أوى الفتية إلى الكهف } يعني فتية من أشراف الروم أرادهم دقيانوس على الشرك فأبوا وهربوا إلى الكهف ، { فقالوا ربنا آتنا من لدُنك رحمةً } توجب لنا المغفرة والرزق والأمن من العدو . { وهيّئ لنا من أمرنا } من الأمر الذي نحن عليه من مفارقة الكفار . { رشدا } نصيرا بسببه راشدين مهتدين ، أو اجعل أمرنا كله رشدا كقولك : رأيت منك أسدا وأصل التهيئة إحداث هيئة الشيء .