التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ ثَمَرَٰتٖ مُّخۡتَلِفًا أَلۡوَٰنُهَاۚ وَمِنَ ٱلۡجِبَالِ جُدَدُۢ بِيضٞ وَحُمۡرٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٞ} (27)

ثم ذكر - سبحانه - بعد ذلك أدلة أخرى على عظيم قدرته . وبين من هم أولى الناس بخشيته ، ومدح الذين يكثرون من تلاوة كتابه ، ويحافظون على أداء فرائضه ، ووعدهم على ذلك بالأجر الجزيل فقال - تعالى - : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أنزَلَ . . . بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ } .

والاستفهام فى قوله - تعالى - : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً } . .

لتقرير ما قبله ، من أن اختلاف الناس فى عقائدهم وأحوالهم أمر مطرد ، وأن هذا الاختلاف موجود حتى فى الحيوان والحجارة والنبات . .

قال الآلوسى ما ملخصه : قوله - تعالى - : { أَلَمْ تَرَ . . } هذه الكلمة قد تذكر لمن تقدم علمه فتكون للتعجب ، وقد تذكر لمن لا يكون كذلك ، فتكون لتعريفه وتعجيبه ، وقد اشتهرت فى ذلك أجريت مجرى المثل فى هذا الباب ، بأن شبه من لم ير الشئ ، بحال من رآه . فى أنه لا ينبغى أن يخيفى عليه ، ثم أجرى الكلام معه . كما يجرى مع من رأى ، قصداً إلى المبالغة فى شهرته . .

والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ، أو لكل من يتأتى له الخطاب ، بتقرير دليل من أدلة القدرة الباهرة .

والمعنى : لقد علمت - أيها العاقل - علماً لا يخالطه شك ، أن الله - تعالى - أنزل من السماء ماء كثيراً ، فأخرج بسببه من الأرض ، ثمرات مختلفاً ألوانها . فبعضها أحمر ، وبعضها أصفر ، وبعضها أخضر . . وبعضها حلو المذاق ، وبعضها ليس كذلك ، مع أنها جميعاً تسقى بماء واحد ، كما قال - تعالى - : { وَفِي الأرض قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يسقى بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا على بَعْضٍ فِي الأكل إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } وجاء قوله { فَأَخْرَجْنَا } على أسلوب الالتفات من الغيبة إلى التكلم ، لإِظهار كمال الاعتناء بالفعل لما فيه من الصنع البديع المنبئ عن كمال القدرة والحكمة ، ولأن المنة بالإِخراج أبلغ من إنزال الماء .

وقوله { مُّخْتَلِفاً } صفة لثمرات ، وقوله { لْوَانُهَا } فاعل به .

وقوله - تعالى - : { وَمِنَ الجبال جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ } معطوف على ما قبله ، لبيان مظهر آخر من مظاهر قدرته - عز وجل .

قال القرطبى ما ملخصه : " الجدد جمع جُدَّة - بضم الجيم - وهى الطرائق المختلفة الألوان " . . والجُدَّة : الخطة التى فى ظهر الحمار تخالف لونه . والجدة : الطريق والجمع جدد . . أى : طارئق تخاف لون الجبل ، ومنه قولهم : ركب فلان جُدَّة من الأمر ، إذا رأى فيه رأيا .

وغرابيب : جمع غربيب ، وهو الشئ السواد ، والعرب تقول للشئ الشديد السواد ، أسود غربيب .

وقوله : { سُودٌ } بدل من { وَغَرَابِيبُ } .

أى : أنزلنا من السماء ماء أخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها ، وجعلنا بقدرتنا من الجبال قطعاً ذات ألوان مختلفة ، فمنها الأبيض ، ومنها الأحمر ، ومنها ما هو شديد السواد ، ومنها ما ليس كذلك ، مما يدل على عظيم قدرتنا . وبديع صنعنا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ ثَمَرَٰتٖ مُّخۡتَلِفًا أَلۡوَٰنُهَاۚ وَمِنَ ٱلۡجِبَالِ جُدَدُۢ بِيضٞ وَحُمۡرٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٞ} (27)

{ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها } أجناسها وأصنافها على أن كلا منها ذو أصناف مختلفة ، أو هيئاتها من الصفرة والخضرة ونحوهما . { ومن الجبال جدد } أي ذو جدد أي خطط وطرائق يقال جدة الحمار للخطة السوداء على ظهره ، وقرئ " جدد " بالضم جمع جديدة بمعنى الجدة و " جدد " بفتحتين وهو الطريق الواضح . { بيض وحمر مختلف ألوانها } بالشدة والضعف . { وغرابيب سود } عطف على { بيض } أو على { جدد } كأنه قيل : ومن الجبال ذو جدد مختلفة اللون ومنها { غرابيب } متحدة اللون ، وهو تأكيد مضمر يفسره ما بعده فإن الغربيب تأكيد للأسود ومن حق التأكيد أن يتبع المؤكد ونظير ذلك في الصفة قول النابغة :

*** والمؤمن العائذات الطير يمسحها ***

وفي مثله مزيد تأكيد لما فيه من التكرير باعتبار الإضمار والإظهار .