التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مِن شَرِّ ٱلۡوَسۡوَاسِ ٱلۡخَنَّاسِ} (4)

وقوله - سبحانه - : { مِن شَرِّ الوسواس الخناس } متعلق بقوله { أَعُوذُ } .

والوسواس : اسم للوسوسة ، وهي الصوت الخفي ، والمصدر الوِسْوَاس - بالكسر - ، والمراد به هنا : الوصف . من باب إطلاق اسم المصدر على الفاعل ، أو هو وصف مثل : الثرثار .

و " الخناس " صيغة مبالغة من الخنوس ، وهو الرجوع والتأخر ، والمراد به : الذي يلقي فى نفس الإِنسان أحاديث السوء .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مِن شَرِّ ٱلۡوَسۡوَاسِ ٱلۡخَنَّاسِ} (4)

من شر الوسواس الخناس ، وهو الشيطان الموكل بالإنسان ، فإنه ما من أحد من بني آدم إلا وله قرين يُزَين له الفواحش ، ولا يألوه جهدًا في الخبال . والمعصوم من عَصَم الله ، وقد ثبت في الصحيح أنه : " ما منكم من أحد إلا قد وُكِل به قرينه " . قالوا : وأنت يا رسول الله ؟ قال : " نعم ، إلا أن الله أعانني عليه ، فأسلم ، فلا يأمرني إلا بخير " {[30907]} . وثبت في الصحيح ، عن أنس في قصة زيارة صفية النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف ، وخروجه معها ليلا ليردها إلى منزلها ، فلقيه رجلان من الأنصار ، فلما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرعا ، فقال رسول الله : " على رسلكما ، إنها صفية بنت حُيي " . فقالا : سبحان الله ، يا رسول الله . فقال : " إن الشيطان يجري من ابن آدم{[30908]} مجرى الدم ، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئًا ، أو قال : شرًا " {[30909]} .

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا محمد بن بحر ، حدثنا عدي بن أبي عمَارة ، حدثنا زيادًا{[30910]} النّميري ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الشيطان واضع خطمه{[30911]} على قلب ابن آدم ، فإن ذكر{[30912]} خَنَس ، وإن نسي{[30913]} التقم قلبه ، فذلك الوسواس الخناس " {[30914]} غريب .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عاصم ، سمعت أبا تميمة يُحَدث عن رَديف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : عَثَر بالنبي صلى الله عليه وسلم حمارهُ ، فقلت : تَعِس الشيطان . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تقل : تعس الشيطان ؛ فإنك إذا قلت : تعس الشيطان ، تعاظَم ، وقال : بقوتي صرعته ، وإذا قلت : بسم الله ، تصاغر حتى يصير مثل الذباب " {[30915]} .

تفرد به أحمد ، إسناده{[30916]} جيد قوي ، وفيه دلالة على أن القلب متى ذكر الله تصاغر الشيطان وغُلِب ، وإن لم يذكر الله تعاظم وغلب .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو بكر الحنفي ، حدثنا الضحاك بن عثمان ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أحدكم إذا كان في المسجد ، جاءه الشيطان فأبس به كما يُبَس الرجل بدابته ، فإذا سكن له زنقه أو : ألجمه " . قال أبو هُرَيرة : وأنتم ترون ذلك ، أما المزنوق فتراه مائلا - كذا - لا يذكر الله ، وأما الملجم ففاتح فاه لا يذكر الله ، عز وجل . تفرد به أحمد{[30917]} .

وقال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : { الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ } قال : الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا سها وغفل وسوس ، فإذا ذكر الله خَنَس . وكذا قال مجاهد ، وقتادة .

وقال المعتمر بن سليمان ، عن أبيه : ذُكرَ لي أن الشيطان ، أو : الوسواس ينفث في قلب ابن آدم عند الحزن وعند الفرح ، فإذا ذكر الله خنس .

وقال العوفي عن ابن عباس في قوله : { الْوَسْوَاس } قال : هو الشيطان يأمر ، فإذا أطيع خنس .


[30907]:رواه مسلم في صحيحه برقم (2814) من حديث عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه.
[30908]:في أ : "من الإنسان".
[30909]:صحيح مسلم برقم (2174) هو في صحيح البخاري برقم (2035 ، 6219 ، 7171) من حديث صفية ، رضي الله عنها.
[30910]:في م : "زياد" وهو الصواب.
[30911]:في أ : "خرطومه".
[30912]:في أ : "ذكر الله".
[30913]:في أ : "نسى الله".
[30914]:مسند أبي يعلى (7/278 ، 279) قال الحافظ ابن حجر في الفتح (8/742) : "إسناده ضعيف"؛ وذلك لضعف زياد النميري والكلام في عدي بن أبي عمارة.
[30915]:المسند (5/59).
[30916]:في م : "إسناد".
[30917]:المسند (2/230) ، وقال الهيثمي في المجمع (1/242) : "رجاله رجال الصحيح".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مِن شَرِّ ٱلۡوَسۡوَاسِ ٱلۡخَنَّاسِ} (4)

{ الوسواس } اسم من أسماء الشيطان{[12045]} ، وهو أيضاً ما توسوس به شهوات النفس وتسوله{[12046]} ، وذلك هو الهواء الذي نهي المرء عن اتباعه ، وأمر بمعصيته ، والغضب الذي وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرحه وتركه ، حين قال له رجل : أوصني ، فقال : " لا تغضب " ، قال زدني : قال : " لا تغضب " {[12047]} . وقوله : { الخناس } معناه : على عقبه المستتر أحياناً ، وذلك في الشيطان متمكن{[12048]} إذا ذكر العبد وتعوذ وتذكر فأبصر كما قال تعالى : { إن الذين إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون{[12049]} } [ الأعراف : 201 ] ، وإذا فرضنا ذلك في الشهوات والغضب ونحوه فهو يخنس بتذكير النفس اللوامة بلمة الملك ، وبأن الحياء يردع ، والإيمان يردع بقوة ، فتخنس تلك العوارض المتحركة ، وتنقمع عند من أعين بتوفيق .


[12045]:الوسواس –بفتح الواو- بمعنى الاسم، أي: الموسوس، وبكسر الواو المصدر، يعني الوسوسة، مثل الزلزال والزلزال ، والوسوسة هي حديث النفس.
[12046]:سولت له نفسه: زينت له، وسول له الشيطان: أغواه.
[12047]:أخرجه البخاري في الأدب، والترمذي في البر، ومالك في "حسن الخلق" من موطئه، وأحمد في مسنده (2/362) عن أبي هريرة.
[12048]:في بعض النسخ: "وذلك في الشيطان ينكص".
[12049]:من الآية 201 من سورة الأعراف.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مِن شَرِّ ٱلۡوَسۡوَاسِ ٱلۡخَنَّاسِ} (4)

و{ الوسواس } : المتكلم بالوسوسة ، وهي الكلام الخفيّ ، قال رُؤبة يصف صائداً في قُتْرتِه :

وَسْوَسَ يَدْعُو مُخلصاً ربَّ الفَلَقْ

فالوسواس اسم فاعل ويطلق الوسواس بفتح الواو مجازاً على ما يخطر بنفس المرء من الخواطر التي يتوهمها مثل كلام يكلم به نفسه قال عُروة بن أذينة :

وإذا وجَدْت لها وسَاوِسَ سَلوَةٍ *** شفَع الفؤادُ إلى الضمير فسَلَّها

والتعريف في { الوسواس } تعريف الجنس وإطلاق { الوسواس } على معنييه المجازي والحقيقي يشمل الشياطين التي تلقي في أنفُس الناس الخواطر الشريرة ، قال تعالى : { فوسوس إليه الشيطان } [ طه : 120 ] ، ويشمل الوسواسُ كل من يتكلم كلاماً خفياً من الناس وهم أصحاب المكائد والمؤامرات المقصود منها إلحاق الأذى من اغتيال نفوس أو سرقة أموال أو إغراءٍ بالضلال والإِعراض عن الهدى ، لأن شأن مذاكرة هؤلاء بعضهم مع بعض أن تكون سِراً لئلا يطلع عليها من يريدون الإِيقاعَ به ، وهم الذين يتربصون برسول الله صلى الله عليه وسلم الدوائر ويغرون الناس بأذِيَّتِهِ .

و { الخناس } : الشديد الخنْس والكثيرُه . والمراد أنه صار عادة له . والخنس والخنوس : الاختفاء . والشيطان يلقب ب { الخناس } لأنه يتصل بعقل الإِنسان وعزمه من غير شعور منه فكأنَّه خنس فيه ، وأهل المكر والكيد والتختل خنّاسون لأنهم يتحينون غفلات الناس ويتسترون بأنواع الحيل لكيلا يشعر الناس بهم .

فالتعريف في { الخناس } على وزاننِ تعريف موصوفه ، ولأن خواطر الشر يهم بها صاحبها فيطرق ويتردد ويخاف تبعاتها وتزجره النفس اللّوامة ، أو يزَعه وازع الدين أو الحياء أو خوف العقاب عند الله أو عند الناس ثم تعاوده حتى يطمئن لها ويرتاض بها فيصمم على فعلها فيقترفها ، فكأنَّ الشيطان يبدو له ثم يختفي ، ثم يبدو ثم يختفي حتى يتمكن من تدليته بغرور .