التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞ذَٰلِكَۖ وَمَنۡ عَاقَبَ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبَ بِهِۦ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيۡهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ} (60)

ثم بشر - سبحانه - عباده الذين يقع عليهم العدوان بالنصر على من ظلمهم ، فقال - تعالى - : { ذلك وَمَنْ عَاقَبَ . . . } .

اسم الإشارة ذلك ، فى قوله - تعالى - { ذلك وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ } .

يعود إلى ما ذكره - سبحانه - قبل ذلك من أن الملك له يوم القيامة ، ومن الرزق الحسن الذى منحه للمهاجرين فى سبيله ثم قتلوا أو ماتوا .

والعقاب : مأخوذ من التعاقب ، وهو مجىء الشىء بعد غيره . والمراد به هنا : مجازاة الظالم بمثل ظلمه .

قال القرطبى : قال مقاتل : نزلت هذه الآية فى قوم من مشركى مكة . لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم : فقالوا : إن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - يكرهون القتال فى الشهر الحرام فاحملوا عليهم فناشدهم المسلمون أن لا يقاتلوهم فى الشهر الحرام . فأبى المشركون إلا القتال ، فحملوا عليهم فثبت المسلمون ونصرهم الله على المشركين ، وحصل فى أنفس المسلمين شىء من القتال فى الشهر الحرام ، فأنزل الله الآية .

فمعنى { وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ } أى : من جازى الظالم بمثل ما ظلمه ، فسمى جزاء العقوبة عقوبة لاستواء الفعلين فى الصورة فهى مثل : { جَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } وقوله { ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ } أى : أن الظالم المبتدئ بالظلم عاد مرة أخرى فبغى على المظلوم وآذاه .

وقوله { لَيَنصُرَنَّهُ الله } وعد مؤكد منه - سبحانه - بنصرة المظلوم ، والجملة جواب قسم محذوف . أى والله لينصرن - سبحانه - المظلوم على الظالم فى الحال أو المآل .

قوله : { إِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } تعليل للنصرة ، وبيان بأن المظلوم عندما ترك العفو عن الظالم ، لا يؤاخذه - سبحانه - على ذلك ، ما دام لم يتجاوز فى رد العدوان الحدود المشروعة ، وهى الانتصار على القصاص بالمثل .

أى : إن الله - تعالى - لكثير العفو عن عباده ، وكثير المغفرة لذنوبهم وخطاياهم

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞ذَٰلِكَۖ وَمَنۡ عَاقَبَ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبَ بِهِۦ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيۡهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ} (60)

وقوله : { ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ } ، ذكر{[20395]} مقاتل بن حيان وابن جريج أنها نزلت في سرية من الصحابة ، لقوا جمعًا من المشركين في شهر محرم ، فناشدهم المسلمون لئلا يقاتلوهم في الشهر الحرام ، فأبى المشركون إلا قتالهم وبغوا عليهم ، فقاتلهم المسلمون ، فنصرهم الله عليهم ، [ و ]{[20396]} { إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ }


[20395]:- في أ : "قال".
[20396]:- زيادة من أ.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞ذَٰلِكَۖ وَمَنۡ عَاقَبَ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبَ بِهِۦ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيۡهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ} (60)

وقوله تعالى : { ذلك } ، إلى قوله { الكبير } المعنى الأمر ذلك ، ثم أخبر تعالى عمن عاقب من المؤمنين من ظلمه من الكفرة ووعد المبغي عليه بأنه ينصره وسمي الذنب في هذه الآية باسم العقوبة كما تسمى العقوبة كثيراً الذنب وهذا كله تجوز واتساع ، وذكر أن هذه الآية نزلت في قوم من المؤمنين لقيهم كفار في أشهر الحرم فأبى المؤمنون من قتالهم وأبى المشركون إلا القتال فلما اقتتلوا جد المؤمنون ونصرهم الله ، فنزلت هذه الآية فيهم .