التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ إِنِّيٓ أَرَىٰ سَبۡعَ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ وَسَبۡعَ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖۖ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ أَفۡتُونِي فِي رُءۡيَٰيَ إِن كُنتُمۡ لِلرُّءۡيَا تَعۡبُرُونَ} (43)

لقد كان بعد ذلك أن أراد الله - تعالى - فتح باب الفرج ليوسف - عليه السلام - ، وكان من أسباب ذلك أن رأى الملك في منامه رؤيا أفزعته ، ولم يستطع أحد تأويلها تأويلا صحيحا سوى يوسف - عليه السلام - استمع إلى القرآن وهو يقص ذلك فيقول :

{ وَقَالَ الملك إني أرى سَبْعَ . . . } .

قوله - سبحانه - : { وَقَالَ الملك إني أرى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ } شروع في حكاية الرؤيا التي رآها ملك مصر في ذلك الوقت . .

قال ابن كثير : " هذه الرؤيا من ملك مصر ، مما قدر الله - تعالى - أنها كانت سببا لخروج يوسف - عليه السلام - من السجن معززا مكرما ، وذلك أن الملك رأى هذه الرؤيا ، فهالته وتعجب من أمرها ، وما يكون تفسيرها فجمع الكهنة وكبراء دولته وأمراءها ، وقص عليهم ما رأى ، وسألهم عن تأويلها ، فلم يعرفوا ذلك . .

وقوله " عجاف " جمع عجفاء والعجف - بفتح العين والجيم - ذهاب السمن ، يقال : هذا رجل أعجف وامرأة عجفاء ، إذا ظهر ضعفهما وهزالهما . .

أى : وقال ملك مصر في ذلك الوقت لكبار رجال ممكلته : إنى رأيت فيما برى النائم " سبع بقرات " قد امتلأن شحما وحلما { يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ } أى : يأكل هذه البقرات السبع السمان ، سبع بقرات أخرى عجاف أى : مهازيل ضعاف .

ورأيت - أيضا - فيما يرى النائم { وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْر } قد امتلأت حبا ، ورأيت إلى جانبها سبع سنبلات { وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ } قد ذهبت نضارتها وخضرتها ، ومع هذا فقد التوت اليابسات على الخضر على غلبتها .

{ ياأيها الملأ } أى : الأشراف والعلماء من قومى { أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ } أى : فسروا لى رؤياى هذه وبينوا لى ما تدل عليه .

{ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } أى : إن كنتم تعرفون تفسيرها وتأويلها معرفة سليمة ، وتعلمون تعبيرها علما مستمرا .

و " تعبرون " من العبر ، وهو اجتياز الطريق أو النهر من جهة إلى أخرى وسمى المفسر للرؤيا عابرا ، لأنه يتأمل فيها وينتقل من كل طرف فيها إلى الطرف الآخر ، كما ينتقل عابر النهر أو الطريق من جهة إلى أخرى .

قال بعض العلماء : والتعريف في " الملك " للعهد ، أى ملك مصر ، وسماه القرآن هنا ملكا ولم يسمه فرعون ، لأن هذا الملك لم يكن من الفراعنة ملوك مصر القبط ، وإنما كان ملكا لمصر أيام أن حكمها " الهكسوس " وهم العمالقة الذين ملكوا مصر من 1900 قبل الميلاد إلى سنة 1525 ق . م .

فالتعبير عنه بالملك هنا ، دون التعبير عنه بفرعون مع أنه عبر عن مالك مصر في زمن موسى بفرعون ، يعتبر من دقائق إعجاز القرآن العلمى .

وقال " إنى أرى " بصيغة المضارع مع أنه قد رأى بالفعل ، استحضارا لصورة الرؤيا حتى لكأنها ماثلة أمامه .

وقال { وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ } بدون إعادة لفظ سبع كما في البقرات ، للاكتفاء بدلالة المقابل في البقرات عليه .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : هل في الآية دليل على أن السنبلات اليابسة كانت سبعا كالخضر ؟

قلت : الكلام مبنى على انصبابه إلى هذا العدد في البقرات السمان والعجاف والسنابل الخضر ، فوجب أن يتناول معنى الأخر السبع ، ويكون قوله { وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ } بمعنى : وسبعا أخر يابسات .

وفى نداء الملك لقومه قوله { ياأيها الملأ أَفْتُونِي . . . } تشريف لهم ، وحض على استعمال عقولهم وعلومهم في تفسير هذه الرؤيا التي أزعجته .

واللام في قوله " للرؤيا " لتقوية الفعل " تعبرون " حيث تأخر عن معموله .

ويدبو أن القوم في ذلك الزمان ، كان بعضهم يشتغل بتفسر الرؤى ، وكان لهذا التفسير مكانته الهامة فيهم . . .

فقد مرت بنا رؤيا يوسف ، ورؤيا رفيقيه في السجن ، ثم جاءت رؤيا الملك هنا ، وهذا يشعر بأن انفراد يوسف - عليه السلام - بتأويل رؤيا الملك ، في زمن كثر فيه البارعون في تأويل الرؤى ، كان بمثابة معجزة أو ما يشبه المعجزة من الله - تعالى - ليوسف - عليه السلام - حتى تزداد مكانته عند الملك وحاشيته .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ إِنِّيٓ أَرَىٰ سَبۡعَ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ وَسَبۡعَ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖۖ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ أَفۡتُونِي فِي رُءۡيَٰيَ إِن كُنتُمۡ لِلرُّءۡيَا تَعۡبُرُونَ} (43)

هذه الرؤيا من مَلك مصر مما قَدّر الله تعالى أنها كانت سببا لخروج يوسفَ ، عليه السلام ، من السجن مُعزَّزًا مكرما ، وذلك أن المَلك رأى هذه الرؤيا ، فهالته وتَعجَّب من أمرها ، وما يكون تفسيرها ، فجمع الكهنة والحُزَاة وكبراء دولته وأمراءه وقَصَّ عليهم ما رأى ، وسألهم عن تأويلها ، فلم يعرفوا ذلك ، واعتذروا إليه بأن هذه { أَضْغَاثُ أَحْلامٍ } أي : أخلاط اقتضت رؤياك هذه{[15192]} { وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأحْلامِ بِعَالِمِينَ } أي : ولو كانت رؤيا صحيحة من أخلاط ، لما كان لنا معرفة بتأويلها ، وهو تعبيرها . فعند ذلك تَذَكَّرَ ذلك الذي نجا من ذينك الفتيين اللذين{[15193]} كانا في السجن مع يوسف ، وكان الشيطان قد أنساه ما وصّاه به يوسف ، من ذكر أمره للملك ، فعند ذلك تذكر { بَعْدَ أُمَّةٍ } أي : مدة - وقرأ بعضهم : " بعد أَمِةٍ " أي : بعد نسيان ، فقال للملك والذين جمعهم لذلك : { أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ } أي : بتأويل هذا المنام ، { فَأَرْسِلُونِ } أي : فابعثون إلى يوسف الصديق إلى السجن . ومعنى الكلام : فبعثوا{[15194]} فجاء . فقال : { يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا } وذكر المنام الذي رآه الملك ، فعند ذلك ذكر له يوسف ، عليه السلام ، تعبيرها من غير تعنيف لذلك الفتى في نسيانه ما وصاه به ، ومن غير اشتراط للخروج قبل ذلك ، بل قال : { تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا } أي{[15195]} يأتيكم الخصب والمطر سبع سنين متواليات ، ففسر البقر بالسنين ؛ لأنها تثير الأرض التي تُسْتغل منها الثمرات والزروع ، وهن السنبلات الخضر ، ثم أرشدهم إلى ما يعتمدونه في تلك السنين فقال : { فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلا قَلِيلا مِمَّا تَأْكُلُونَ } أي : مهما استغللتم{[15196]} في هذه السبع السنين الخصب فاخزنوه في سنبله ، ليكون أبقى له وأبعد عن إسراع الفساد إليه ، إلا المقدار الذي تأكلونه ، وليكن قليلا قليلا لا تسرفوا فيه ، لتنتفعوا في السبع الشداد ، وهن السبع السنين المُحْل التي تعقب هذه السبع متواليات ، وهن البقرات العجاف اللاتي يأكلن السِّمان ؛ لأن سني{[15197]} الجَدْب يؤكل فيها ما جَمَعَوه في سني{[15198]} الخصب ، وهن السنبلات اليابسات .

وأخبرهم أنهن لا ينبتن شيئا ، وما بذروه فلا يرجعون منه إلى شيء ؛ ولهذا قال : { يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلا قَلِيلا مِمَّا تُحْصِنُونَ }

ثم بشرهم بعد الجَدْب العام المتوالي بأنه يعقبهم بعد ذلك { عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ } أي : يأتيهم الغيث ، وهو المَطرُ ، وتُغل البلاد ، ويَعصرُ الناس ما كانوا يعصرون على عادتهم ، من زيت ونحوه ، وسكر ونحوه حتى قال بعضهم : يدخل{[15199]} فيه حلب اللبن أيضًا .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس { وَفِيهِ يَعْصِرُونَ } يحلبون .


[15192]:- في ت ، أ : "رؤيا في هذا".
[15193]:- في ت : "الذي".
[15194]:- في ت : "فبعثوه".
[15195]:- في ت : "إذ".
[15196]:- في ت ، أ : "استغليتم".
[15197]:- في ت ، أ : "سنين".
[15198]:- في ت ، أ : "سنين".
[15199]:- في ت ، أ : "ويدخل".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ إِنِّيٓ أَرَىٰ سَبۡعَ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ وَسَبۡعَ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖۖ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ أَفۡتُونِي فِي رُءۡيَٰيَ إِن كُنتُمۡ لِلرُّءۡيَا تَعۡبُرُونَ} (43)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالَ الْمَلِكُ إِنّيَ أَرَىَ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَأَيّهَا الْمَلاُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرّؤْيَا تَعْبُرُونَ } .

يعني جلّ ذكره بقوله : وقال ملك مصر إنّي أرَى في المنام سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنّ سَبْعٌ من البقر عِجافٌ . وقال : «إني أرى » ، ولم يذكر أنه رأى في منامه ولا في غيره ، لَتَعارُف العرب بينها في كلامها إذا قال القائل منهم : أرى أني أفعل كذا وكذا أنه خبر عن رؤيته ذلك في منامه وإن لم يذكر النوم . وأخرج الخبر جلّ ثناؤه على ما قد جرى به استعمال العرب ذلك بينهم . وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ يقول : وأرى سبع سنبلات خضر في منامي . وأُخَرَ يقول : وسبعا أخر من السنبل يابِساتٍ يَأيّها المَلأُ يقول : يا أيّها الأشراف من رجالي وأصحابي أفْتُونِي فِي رُؤْيايَ فاعْبرُوها إنْ كُنْتُمْ للرّؤْيا عَبرَة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السديّ ، قال : إن الله أرى الملك في منامه رؤيا هالته ، فرأى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف ، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات . فجمع السحرةَ والكهنةَ والحُزاةَ والقافَة ، فقصها عليهم . فقالُوا أضْغاثُ أحْلامٍ وَما نَحْنُ بَتأْوِيلِ الأحْلامِ بِعالِمِينَ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثم إن الملك الرّيّان بن الوليد رأى رؤياه التي رأى ، فهالته ، وعرف أنها رؤيا واقعة ، ولم يدر ما تأويلها فقال للملإ حوله من أهل مملكته : إنّي أرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سمِانٍ يَأْكُلُهُنّ سَبْعٌ عِجافٌ . . . إلى قوله : بِعالِمِينَ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ إِنِّيٓ أَرَىٰ سَبۡعَ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ وَسَبۡعَ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖۖ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ أَفۡتُونِي فِي رُءۡيَٰيَ إِن كُنتُمۡ لِلرُّءۡيَا تَعۡبُرُونَ} (43)

{ وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف } لما دنا فرجه رأى الملك سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابس وسبع بقرات مهازيل فابتلعت المهازيل السمان . { وسبع سنبلات خضر } قد انعقد حبها . { وأُخر يابسات } وسبعا آخر يابسات قد أدركت فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبت عليها ، وإنما استغنى عن بيان حالها بما قص من حال البقرات ، وأجرى السمان على المميز دون المميز لأن التمييز بها ووصف السبع الثاني بالعجاف لتعذر التمييز بها مجردا عن الموصوف فإنه لبيان الجنس ، وقياسه عجف لأنه جمع عجفاء لكنه حمل على { سمان } لأنه نقيضه . { يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي } عبروها . { إن كنتم للرؤيا تعبرون } إن كنتم عالمين بعبارة الرؤيا وهي الانتقال من الصور الخيالية إلى المعاني النفسانية التي هي مثالها من العبور وهي المجاوزة ، وعبرت الرؤيا عبارة أثبت من عبرتها تعبيرا واللام للبيان أو لتقوية العامل فإن الفعل لما أخر عن مفعول ضعف فقوي باللام كاسم الفاعل ، أو لتضمن { تعبرون } معنى فعل يعدى باللام كأنه قيل : إن كنتم تنتدبون لعبارة الرؤيا .