التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلنَّجۡوَىٰ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ لِيَحۡزُنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيۡسَ بِضَآرِّهِمۡ شَيۡـًٔا إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (10)

والمراد بالنجوى فى قوله- تعالى - بعد ذلك : { إِنَّمَا النجوى مِنَ الشيطان لِيَحْزُنَ الذين آمَنُواْ . . . } ، نجوى المنافقين فيما بينهم ، وهي التي عبر عنها -سبحانه- قبل ذلك بقوله : { وَيَتَنَاجَوْنَ بالإثم والعدوان وَمَعْصِيَتِ الرسول } فأل في قوله - تعالى - : { النجوى } للعهد ، أي : إنما النجوى المعهودة التي كان يتناجى المنافقون بها فيما بينهم ، كائنة من الشيطان لا من غيره ، لأنه هو الذى حرضهم وأغراهم ، بأن يتساروا بالإثم والعدوان .

وقوله : { لِيَحْزُنَ الذين آمَنُواْ } قرأ الجمهور : { لِيَحْزُنَ } - بفتح الياء وضم الزاي - مضارع حزن ، فيكون { الذين آمَنُواْ } فاعل ، والحزن : الهم والغم .

أي : زين الشيطان للمنافقين هذه النجوى السيئة ، لكي يحزن المؤمنون ويغتموا ، بسبب ظنهم أن من وراء هذه النجوى أخبارا سيئة تتعلق بهم أو بذويهم .

وقرأ نافع { لِيُحْزِنَ } - بضم الياء وكسر الزاي - فيكون { الذين آمَنُواْ } مفعولا . أي : فعل الشيطان ما فعل مع المنافقين ، لكي يدخل الحزن والغم على المؤمنين .

وأسند - سبحانه - النجوى إلى الشيطان ، باعتبار أنه هو الذى يوسوس بها ، ويزينها فى قلوب هؤلاء المنافقين وأشباههم .

وجملة : { وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ الله } معترضة لتثبيت المؤمنين ، وتسليتهم عما أصابهم من المنافقين ، واسم ليس : الشيطان أو التناجي ، والاستثناء مفرغ من أهم الأحوال ، و " شيئا " منصوب على المفعول المطلق ، أي : لا تحزنوا - أيها المؤمنون - لمسالك المنافقين معكم ، ولا تخافوا من تناجيهم فيما بينهم ، فإنها نجوى زينها لهم الشيطان ، واعلموا أن كيد الشيطان لن يضركم شيئا من الضرر في حال من الأحوال إلا فى حال إرادة الله - تعالى - ومشيئته .

وما دام الأمر كما بينت لكم ، فاجعلوا توكلكم - أيها المؤمنون - على الله - تعالى - وحده ، ولا تبالوا بالمنافقين ، ولا بتناجيهم ، ولا بما يسوله الشيطان لهم من قبائح ، فإن كل شىء بقضاء الله وقدره .

قال الآلوسى ما ملخصه : وحاصل هذا الكلام أن ما يتناجى المنافقون به مما يحزن المؤمنين . إن وقع فهو إرادة الله - تعالى - ومشيئته ، ولا دخل للمنافقين فيه ، وما دام الأمر كذلك ، فلا يكترث المؤمنون بتناجيهم ، وليتوكلوا على الله - عز وجل - ولا يخافوا من تناجيهم .

ثم إن التناجي بين المؤمنين قد يكون منهيا عنه ، فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن ابن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا كنتم ثلاثة ، فلا يتناجى اثنان دون الآخر ، حتى تختلطوا بالناس من أجل أن ذلك يحزنه " . ومثل التناجى فى ذلك ، أن يتكلم اثنان بحضور ثالث بلغة لا يفهمها الثالث ، إن كان يحزنه ذلك .

وروى الإمام مسلم عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه ، فإن ذلك يحزنه " .

والخلاصة أن تعاليم الإسلام ، تنهى عن التناجي فى الحالات التى توقع الريبة فى القلوب ، وتزعزع الثقة بين الأفراد والجماعات .

وهذا النهى لون من الأدب الحكيم الذى يحفظ للمؤمنين مودتهم ومحبتهم ويبعد عن نفوسهم الشكوك والريب ، ويطرد عن قلوبهم نزغات الشيطان الذى يجري من ابن آدم مجرى الدم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلنَّجۡوَىٰ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ لِيَحۡزُنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيۡسَ بِضَآرِّهِمۡ شَيۡـًٔا إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (10)

ثم قال تعالى :{ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } أي : إنما النجوى - وهي المُسَارّة - حيث يتوهم مؤمن بها سوءًا{ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا } يعني : إنما يصدر هذا من المتناجين عن تسويل الشيطان وتزيينه ، { لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا } أي : ليسوءهم ، وليس ذلك بضارهم شيئًا إلا بإذن الله ، ومن أحس من ذلك شيئًا فليستعذ بالله وليتوكل على الله ، فإنه لا يضره شيء بإذن الله .

وقد وردت السنة بالنهي عن التناجي حيث يكون في ذلك تأذٍ على مؤمن ، كما قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع وأبو معاوية قالا حدثنا الأعمش ، عن أبي وائل ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجَينَّ اثنان دون صاحبهما ، فإن ذلك يحزنه " . وأخرجاه من حديث الأعمش{[28407]}

وقال عبد الرزاق ، أخبرنا مَعْمَر ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه ؛ فإن ذلك يحزنه " . انفرد بإخراجه مسلم عن أبي الربيع وأبي كامل ، كلاهما عن حماد بن زيد ، عن أيوب ، به{[28408]}


[28407]:- (1) المسند (1/431) وصحيح مسلم برقم (2184) ولم أقع عليه عند البخاري عن الأعمش، وإنما هو عنده عن منصور، عن أبي وائل برقم (6290).
[28408]:- (2) صحيح مسلم برقم (2183).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلنَّجۡوَىٰ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ لِيَحۡزُنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيۡسَ بِضَآرِّهِمۡ شَيۡـًٔا إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (10)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّمَا النّجْوَىَ مِنَ الشّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الّذِينَ آمَنُواْ وَلَيْسَ بِضَآرّهِمْ شَيْئاً إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ } .

يقول تعالى ذكره : إنما المناجاة من الشيطان ، ثم اختلف أهل العلم في النجوى التي أخبر الله أنها من الشيطان ، أيّ ذلك هو ، فقال بعضهم : عُنِي بذلك مناجاة المنافقين بعضهم بعضا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إنّمَا النّجْوَى مِن الشّيْطان لِيَحْزُنَ الّذِينَ آمَنُوا }كان المنافقون يتناجون بينهم ، وكان ذلك يغيظ المؤمنين ، ويكبر عليهم ، فأنزل الله في ذلك القرآن{ إنّمَا النّجْوَى مِن الشّيْطان لِيَحْزُنَ الّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارّهِمْ شَيْئا . . . }الآية .

وقال آخرون بما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله عزّ وجلّ : { إنّمَا النّجْوَى مِنَ الشّيْطانِ لِيَحْزُنَ الّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارّهِمْ شَيْئا إلاّ بإذْنِ اللّهِ }قال : كان الرجل يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله الحاجة ليرى الناس أنه قد ناجى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يمنع ذلك من أحد ، قال : والأرض يومئذ حرب على أهل هذا البلد ، وكان إبليس يأتي القوم فيقول لهم : إنما يتناجون في أمور قد حضرت ، وجموع قد جمعت لكم وأشياء ، فقال الله : { إنّمَا النّجْوَى مِنَ الشّيْطانِ لِيَحْزُنَ الّذِينَ آمَنُوا . . . }إلى آخر الآية .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : كان المسلمون إذا رأوا المنافقين خلوا يتناجون ، يشقّ عليهم ، فنزلت { إنّمَا النّجْوَى مِنَ الشّيْطانِ لِيَحْزُنَ الّذِينَ آمَنُوا } .

وقال آخرون : عُنِي بذلك أحلام النوم التي يراها الإنسان في نومه فتحزنه .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا يحيى بن داود البلخي ، قال : سئل عطية ، وأنا أسمع الرؤيا ، فقال : الرؤيا على ثلاث منازل ، فمنها وسوسة الشيطان ، فذلك قوله : { إنّمَا النّجْوَى مِنَ الشّيْطَانِ }ومنها ما يحدّث نفسه بالنهار فيراه بالليل ومنها كالأخذ باليد .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : عُنِي به مناجاة المنافقين بعضهم بعضا بالإثم والعدوان ، وذلك أن الله جلّ ثناؤه تقدم بالنهي عنها بقوله { إذَا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بالإثْم والعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرّسُولِ } ، ثم عما في ذلك من المكروه على أهل الإيمان ، وعن سبب نهيه إياهم عنه ، فقال : { إنّمَا النّجْوَى مِنَ الشّيْطانِ لِيَحْزُنَ الّذِينَ آمَنُوا } ، فبين بذلك إذ كان النهي عن رؤية المرء في منامه كان كذلك ، وكان عقيب نهيه عن النجوى بصفة أنه من صفة ما نهى عنه .

وقوله : { وَلَيْسَ بِضَارّهِمْ شَيْئا إلاّ بإذْنِ اللّهِ }يقول تعالى ذكره : وليس التناجي بضارّ المؤمنين شيئا إلا بإذن الله ، يعني بقضاء الله وقَدَره .

وقوله : { وَعَلى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ المُوءْمِنُونَ }يقول تعالى ذكره : وعلى الله فليتوكل في أمورهم أهل الإيمان به ، ولا يحزنوا من تناجي المنافقين ومن يكيدهم بذلك ، وأن تناجيهم غير ضارّهم إذا حفظهم ربهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلنَّجۡوَىٰ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ لِيَحۡزُنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيۡسَ بِضَآرِّهِمۡ شَيۡـًٔا إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (10)

إنما النجوى أي النجوى بالإثم والعدوان من الشيطان فإنه المزين لها والحامل عليها ليحزن الذين آمنوا بتوهمهم أنها في نكبة أصابتهم وليس أي الشيطان أو التناجي بضارهم بضار المؤمنين شيئا إلا بإذن الله إلا بمشيئته وعلى الله فليتوكل المؤمنون ولا يبالوا بنجواهم .