التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ أَنۡ أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ} (5)

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ، أن رسالة موسى - عليه السلام - كانت أيضا لإِخراج قومه من الظلمات إلى النور ، ولتذكيرهم بنعم خالقهم عليهم ، وبغناه عنهم ، فقال تعالى :

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بِآيَاتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ . . . . } .

قال الإِمام الرازى : " اعلم أنه - تعالى - لما بين أنه أرسل محمدا - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور وذكر كمال إنعامه عليه وعلى قومه فى ذلك الإِرسال وفى تلك البعثة ، أتبع ذلك بشرح بعثه سائر الأنبياء إلى أقوامهم ، وكيفية معاملة أقوامهم معهم . تصبيرا له - صلى الله عليه وسلم - على أذى قومه ، وبدأ - سبحانه - بقصة موسى فقال : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بِآيَاتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظلمات إِلَى النور . . . } .

وموسى - عليه السلام - هو ابن عمران ، ابن يصهر ، ابن ماهيث . . . وينتهى نسبه إلى لاوى بن يعقوب عليه السلام .

وكانت ولادة موسى - عليه السلام - فى حوالى القرن الرابع عشر قبل الميلاد .

والمراد بالآيات فى قوله : { بِآيَاتِنَآ } الآيات التسع التى أيده الله تعالى بها قال تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ . . . } وهى : العصا ، واليد ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والجدب - أى فى بواديهم ، والنقص من الثمرات - أى فى مزارعهم .

قال - تعالى - { فألقى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ . وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ } وقال - تعالى - : { وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بالسنين وَنَقْصٍ مِّن الثمرات } وقال - تعالى - : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيَاتٍ مّفَصَّلاَتٍ فاستكبروا وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } ومنهم من يرى أنه يصح أن يراد بالآيات هنا آيات التوراة التى أعطاها الله - تعالى - لموسى - عليه السلام - .

قال الآلوسى ما ملخصه : " قوله : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بِآيَاتِنَآ } أى : ملتبسا بها . وهى كما أخرج ابن جرير وغيره ، عن مجاهد وعطاء وعبيد بن عمير ، الآيات التسع التى أجراها الله على يده - عليه السلام - وقيل : يجوز أن يراد بها آيات التوراة " .

ويبدو لنا أنه لا مانع من حمل الآيات هنا على ما يشمل الآيات التسع ، وآيات التوراة ، فالكل كان لتأييد موسى - عليه السلام - فى دعوته .

و " أن " فى قوله { أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ } تفسير بمعنى أى : لأن فى الإِرسال معنى القول دون حروفه .

والمراد بقومه : من أرسل لهدايتهم وإخراجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإِيمان ، وهم : بنو إسرائيل وفرعون وأتباعه .

وقيل : المراد بقومه : بنو إسرائيل خاصة ، ولا نرى وجها لهذا التخصيص ، لأن رسالة موسى - عليه السلام - كانت لهم ولفرعون وقومه .

والمعنى : وكما أرسلناك يا محمد لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ، أرسلنا من قبلك أخاك موسى إلى قومه لكى يخرجهم - أيضا - من ظلمات الكفر إلى نور الإِيمان . فالغاية التى من أجلها أرسلت - أيها الرسول الكريم - هى الغاية التى من أجلها أرسل كل نبى قبلك ، وهى دعوة الناس إلى إخلاص العبادة لله - تعالى - وخص - سبحانه - موسى بالذكر من بين سائر الرسل .

لأن أمته أكثر الأمم المتقدمة على هذه الأمة الإسلامية .

وأكد - سبحانه - الإخبار عن إرسال موسى بلام القسم وحرف التحقيق قد ، لتنزيل المنكرين لرسالة النبى - صلى الله عليه وسلم - منزلة من ينكر رسالة موسى - عليه السلام - وقوله - تعالى - : { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله } معطوف على قوله { أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ } .

والتذكير : إزالة نسيان الشئ ، وعدى بالباء لتضمينه معنى الإِنذار والوعظ : أى ذكرهم تذكير عظة بأيام الله .

ومن المفسرين من يرى أن المراد بأيام الله : نعمه وآلاؤه .

قال ابن كثير : قوله : { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله } أى : بأياديه ونعمه عليهم ، فى إخراجه إياهم من أسر فرعون وقهره وظمله وغشمه ، وإنجائه إياهم من عدوهم ، وفلقه لهم البحر ، وتظليله إياهم الغمام ، وإنزاله عليهم المن والسلوى .

ومنهم من يرى أن المراد بها ، نقمه وبأساؤه .

قال صاحب الكشاف : قوله : { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله } أى : وأنذرهم بوقائعه التى وقعت على الأمم قبلهم ، كما وقع على قوم نوح وعاد وثمود ، ومنه أيام العرب لحروبها وملاحمها ، كيوم ذى قار ، ويوم الفجار ، وهو الظاهر "

ومنهم من يرى أن المراد بها ما يشمل أيام النعمة ، وأيام النقمة .

قال الإِمام الرازى ما ملخصه : " أما قوله { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله } فاعلم أنه - تعالى - أمر موسى فى هذا المقام بشيئين ، أحدهما : أن يخرجهم من الظلمات إلى النور . والثانى : أن يذكرهم بأيام الله .

ويعبر عن الأيام بالوقائع العظيمة التى وقعت فيها . . { وَتِلْكَ الأيام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناس } فالمعنى : عظهم بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد ، فالترغيب والوعد ، أن يذكرهم بنعم الله عليهم وعلى من قبلهم ممن آمن بالرسل . . . والترهيب والوعيد . أن يذكرهم بأس الله وعذابه وانتقامه ، ممن كذب الرسل من الأمم السالفة . .

ثم قال : " واعلم أن أيام الله فى حق موسى - عليه السلام - منها ما كان أيام المحنة والبلاء ، وهى الأيام التى كانت بنو إسرائيل فيها تحت قهر فرعون ، ومنها ما كان أيام الراحة والنعماء مثل إنزال المن والسلوى عليهم " .

وما ذهب إليه الإِمامان الرازى والآلوسى ، هو الذى تسكن إليه النفس ، لأن الأيام كلها وإن كانت لله ، إلا أن المراد بها هنا أيام معينة ، وهى التى برزت فيها السراء أو الضراء بروزا ظاهرا ، كانت له آثاره على الناس الذين عاشوا فى تلك الأيام .

وبنو إسرائيل - على سبيل المثال - مرت عليهم فى تاريخهم الطويل ، أيام غمروا فيها بالنعم ، وأيام أصيبوا فيها بالنقم .

فالمعنى : ذكر يا موسى قومك بنعم الله لمن آمن وشكر ، وبنقمه على من جحد وكفر ، لعل هذا التذكير يجعلهم يتوبون إلى رشدهم ، ويتبعونك فيما تدعوهم إليه .

واسم الإِشارة فى قوله : { إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } يعود على التذكير بأيام الله .

والصبار : الكثير الصبر على البلاء . والصبر حبس النفس على ما يقتضيه الشرع فعلا أو تركا . يقال : صبره عن كذا يصبره إذا حبسه .

والشكور : الكثير الشكر لله - تعالى - على نعمه ، والشكر : عرفان الإِحسان ونشره والتحدث به ، وأصله من شكرت الناقة - كفرح - إذا امتلأ ضرعها باللبن ، ومنه أشكر الضرع إذا امتلأ باللبن .

أى : إن فى ذلك التذكير بنعم الله ونقمه ، لآيات واضحات ، ودلائل بينات على وحدانية الله - تعالى - وقدرته وعلمه ، وحكمته ، لكل إنسان كثير الصبر على البلاء ، وكثير الشكر على النعماء .

وتخصيص الآيات بالصبار والشكور لأنهما هما المنتفعان بها وبما تدل عليه من دلائل على وحدانية الله وقدرته ، لا لأنها خافية على غيرهما ، فإن الدلائل على ذلك واضحة لجميع الناس .

وجمع - سبحانه - بينهما ، للإِشارة إلى ان المؤمن الصادق لا يخلو حاله عن هذين الأمرين ففى الحديث الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن أمر المؤمن كله عجب ، لا يقضى الله له قضاء إلا كان خيرا له ، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له . وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له " .

وقدم - سبحانه - صفة الصبر على صفة الشكر ، لما أن الصبر مفتاح الفرج المقتضى للشكر ، أو لأن الصبر من قبيل الترك ، والتخلية مقدمة على التحلية .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ أَنۡ أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ} (5)

يقول تعالى : وكما أرسلناك يا محمد وأنزلنا عليك الكتاب ، لتخرج الناس كلهم ، تدعوهم إلى الخروج من الظلمات إلى النور ، كذلك أرسلنا موسى في بني إسرائيل بآياتنا .

قال مجاهد : وهي التسع الآيات .

{ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ } أي : أمرناه قائلين له : { أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } أي : ادعهم إلى الخير ، ليخرجوا من ظلمات ما كانوا فيه من الجهل والضلال إلى نور الهدى وبصيرة الإيمان .

{ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ } أي : بأياديه ونعَمه عليهم ، في إخراجه إياهم من أسر فرعون .

وقهره وظلمه وغشمه ، وإنجائه إياهم من عدوهم ، وفلقه لهم البحر ، وتظليله إياهم بالغمام ، وإنزاله عليهم المن والسلوى ، إلى غير ذلك من النعم . قال ذلك مجاهد ، وقتادة ، وغير واحد .

وقد ورد فيه الحديث المرفوع الذي رواه عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل في مسند أبيه حيث{[15743]} قال : حدثني يحيى بن عبد الله مولى بني هاشم ، حدثنا محمد بن أبان الجعفي ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير [ عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تبارك وتعالى : { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ } قال : " بنعم الله تبارك وتعالى ] " {[15744]} [ ورواه ابن جرير ]{[15745]} وابن أبي حاتم ، من حديث محمد بن أبان ، به{[15746]} ورواه عبد الله ابنه{[15747]} أيضا موقوفا{[15748]} وهو أشبه .

وقوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } أي : إن فيما صنعنا بأوليائنا بني إسرائيل حين أنقذناهم من يد فرعون ، وأنجيناهم مما كانوا فيه من العذاب المهين ، لعبرة لكل صَبَّار ، أي : في الضراء ، شكور ، أي : في السراء ، كما قال قتادة : نعم العبد ، عبد إذا ابتُلِي صَبَر ، وإذا أعطي شكر .

وكذا جاء في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن أمر المؤمن كُلَّه عَجَب ، لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرًا له ، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ، وإن أصابته سراء شَكر فكان خيرا له " {[15749]} .


[15743]:- في هـ : "في مسنده حديث قال" والمثبت من ت ، أ.
[15744]:- زيادة من ت ، أ ، والمسند.
[15745]:- زيادة من ت ، أ.
[15746]:- زوائد المسند (5/122) وتفسير الطبري (16/522).
[15747]:- في ت : "بن أحمد".
[15748]:- زوائد المسند (5/122).
[15749]:- صحيح مسلم برقم (2999) من حديث صهيب رضي الله عنه.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ أَنۡ أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ} (5)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىَ بِآيَاتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ وَذَكّرْهُمْ بِأَيّامِ اللّهِ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّكُلّ صَبّارٍ شَكُورٍ } .

يقول تعالى ذكره : ولقد أرسلنا موسى بأدلتنا وحججنا من قبلك يا محمد ، كما أرسلناك إلى قومك بمثلها من الأدلة والحجج . كما : حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح «ح » وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن الأشيب ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد «ح » وحدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : وَلَقَدْ أرْسَلْنا مُوسَى بآياتِنا قال : بالبينات .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَلَقَدْ أرْسَلْنا مُوسَى بآياتِنا قال : التسع الاَيات : الطوفان وما معه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، : أرْسَلْنا مُوسَى بآياتِنا قال : التسع البينات .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

وقوله : أنْ أخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظّلُماتِ إلى النّورِ كما أنزلنا إليك يا محمد هذا الكتاب ، لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذْنِ رَبّهِمْ ، ويعني بقوله : أنْ أخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظّلُماتِ إلى النّورِ : أي ادعهم من الضلالة إلى الهُدى ، ومن الكفر إلى الإيمان . كما :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : وَلَقَدْ أرْسَلْنا مُوسَى بآياتِنا أنْ أخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظّلُماتِ إلى النّورِ يقول : من الضلالة إلى الهُدى .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا هشام ، عن عمرو ، عن سعيد ، عن قتادة ، مثله .

وقوله : وَذَكّرْهُمْ بأيّامِ اللّهِ يقول عزّ وجلّ : وعظهم بما سلف من نعمي عليهم في الأيام التي خلت ، فاجتزىء بذكر الأيام من ذكر النعم التي عناها ، لأنها أيام كانت معلومة عندهم ، أنعم الله عليهم فيها نعما جليلة ، أنقذهم فيها من آل فرعون بعد ما كانوا فيما كانوا من العذاب المهين ، وغرق عدوّهم فرعون وقومه ، وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم ، وكان بعض أهل العربية يقول : معناه : خوّفهم بما نزل بعاد وثمود وأشباههم من العذاب ، وبالعفو عن الاَخرين . قال : وهو في المعنى كقولك : خذهم بالشدّة واللين . وقال آخرون منهم : قد وجدنا لتسمية النعم بالأيام شاهدا في كلامهم ، ثم استشهد لذلك بقول عمرو بن كلثوم :

وأيّامٍ لَنا غُرَ طِوَالٍ *** عَصَيْنا المَلْكَ فِيها أنْ نَدِينا

وقال : فقد يكون إنما جعلها غرّا طوالاً لإنعامهم على الناس فيها . وقال : فهذا شاهد لمن قال : وَذَكّرْهمْ بأيّامِ اللّهِ بنعم الله . ثم قال : وقد يكون تسميتها غرّا ، لعلوّهم على الملك وامتناعهم منه ، فأيامهم غرّ لهم وطوال على أعدائهم .

قال أبو جعفر : وليس للذي قال هذا القول ، من أن في هذا البيت دليلاً على أن الأيام معناها النعم وجهٌ ، لأن عمرو بن كلثوم إنما وصف ما وصف من الأيام بأنها غرّ ، لعزّ عشيرته فيها ، وامتناعهم على الملك من الإذعان له بالطاعة ، وذلك كقول الناس : ما كان لفلان قطّ يوم أبيض ، يعنون بذلك : أنه لم يكن له يوم مذكور بخير . وأما وصفه إياها بالطول ، فإنها لا توصف بالطول إلا في حال شدّة ، كما قال النابغة :

كِلِيني لِهَمَ يا أُمَيْمَةَ ناصِبِ *** ولَيْلٍ أُقاسِيهِ بَطِيءِ الكَوَاكِبِ

فإنما وصفها عمرو بالطول لشدّة مكروهها على أعداء قومه ، ولا وجه لذلك غير ما قلت .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : حدثنا فضيل بن عياض ، عن ليث ، عن مجاهد : وَذَكّرْهُمْ بأيّامِ اللّهِ قال : بأنعم الله .

حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد . قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن عبيد المكّتب عن مجاهد : وَذَكّرْهُمْ بأيّامِ اللّهِ قال : بنعم الله .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبيد المكتب ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا عبثر ، عن حصين ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى «ح » وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : بأيّامِ اللّهِ قال : بنعم الله .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني المثنى ، قال : أخبرنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَذَكّرْهُمْ بأيّامِ اللّهِ قال : بالنعم التي أنعم بها عليهم : أنجاهم من آل فرعون ، وفلق لهم البحر ، وظلّل عليهم الغمام ، وأنزل عليهم المنّ والسلوى .

حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا حبيب بن حسان ، عن سعيد بن جبير : وَذَكّرْهُمْ بأيّامِ اللّهِ قال : بنعم الله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَذَكّرْهُمْ بأيّامِ اللّهِ يقول : ذكرهم بنعم الله عليهم .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وَذَكّرْهُمْ بأيامِ الله قال : بنعم الله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قول الله : وَذَكّرْهُمْ بأيّامِ اللّهِ قال : أيامه التي انتقم فيها من أهل معاصيه من الأمم خوْفهم بها ، وحذّرهم إياها ، وذكّرهم أن يصيبهم ما أصاب الذين من قبلهم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحِمّاني ، قال : حدثنا محمد بن أبان ، عن أبي إسحاق ، عن سعد بن جبير ، عن ابن عباس . عن أُبَيّ ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : وَذَكّرْهُمْ بأيّامِ اللّهِ قال : «نِعَم اللّه » .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن عبيد الله أو غيره ، عن مجاهد : وَذَكّرْهُمْ بأيّامِ اللّهِ قال : بنعم الله . إنّ فِي ذلكَ لاَياتٍ لِكُلّ صَبّارٍ شَكُورٍ يقول : إن في الأيام التي سلفت بنعمي عليهم ، يعني على قوم موسى لاَيات ، يعني : لعبرا ومواعظَ لكل صبّار شكور : يقول : لكلّ ذي صبر على طاعة الله وشكر له على ما أنعم عليه من نعمه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا هشام ، عن عمرو ، عن سعيد ، عن قتادة ، في قول الله عزّ وجلّ : إنّ فِي ذلكَ لاَياتٍ لِكُلّ صَبّارٍ شَكُورٍ قال : نعْم العبد ، عبد إذا ابتلى صبر وإذا أُعطى شكر .