التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالُواْ مَآ أَخۡلَفۡنَا مَوۡعِدَكَ بِمَلۡكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلۡنَآ أَوۡزَارٗا مِّن زِينَةِ ٱلۡقَوۡمِ فَقَذَفۡنَٰهَا فَكَذَٰلِكَ أَلۡقَى ٱلسَّامِرِيُّ} (87)

ثم حكى - سبحانه - معاذيرهم الواهية التى تدل على بلادة عقولهم ، وانتكاس أفكارهم ، وتفاهة شخصيتهم فقال - تعالى - : { قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا . . . } .

وقوله { بِمَلْكِنَا } قرأه نافع وعاصم - بفتح الميم وسكون اللام - أى : بأمرنا . وقرأه حمزة والكسائي { بِمِلْكِنَا } بكسر الميم وسكون اللام - أى : بطاقتنا : وقرأه الباقون - بضم الميم وسكون اللام - أى : بسلطاننا ، وهو مصدر مضاف لفاعله ومفعوله محذوف ، أى : بملكنا أمرنا .

أى : قال بنو إسرائيل لنبيهم موسى على سبيل الاعتذار الذى هو أقبح من ذنب : ما أخلفنا موعدك فعبدنا العجل بأمرنا وطاقتنا واختيارنا ، فقد كان الحال أكبر من أن يدخل تحت سلطاننا ، ولو خلينا بيننا وبين أنفسنا ولم يسول لنا السامرى ما سول لبقينا على العهد الذى عاهدناك عليه ، وهو أن نعبد الله - تعالى - وحده .

وقوله : { ولكنا حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ القوم فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السامري } حكاية لبقية ما قالوه من أعذار قبيحة .

ولفظ : " حملنا " قرأه ابن كثير وابن عامر وحفص عن عاصم - بضم الحاء وتشديد الميم - على أنه فعل ونائب فاعل ، وقرأه الباقون - بفتح الحاء والميم - على أنه فعل وفاعل .

قال الآلوسى ما ملخصه : والمراد بالقوم : القبط ، والأوزار : الأحمال وتسمى بها الآثام ، وقصدوا بذلك ما استعاروه من القبط من الحلى فى عيد لهم قبل الخروج من مصر ، وقيل : استعاروه باسم العرس . وقيل : هى ما ألقاه البحر على الساحل مما كان على الذين غرقوا وهم فرعون وجنوده فأخذ بنو إسرائيل ذلك على أنه غنيمة مع أنها لم تكن حلالا لهم .

أى : قال بنو إسرائيل لموسى : ما أخلفنا عهدك بأمرنا ولكنا حملنا أثقالا وأحمالا من زينة القبط التى أخذناها منهم بدون حق { فَقَذَفْنَاهَا } فى النار بتوجيه من السامرى ، { فَكَذَلِكَ } أى : فكما ألقينا ما معنا { أَلْقَى السامري } ما معه من تلك الزينة .

قال ابن كثير : وحاصل ما اعتذر به هؤلاء الجهلة أنهم تورعوا عن زينة القبط ، فألقوها عنهم ، فعبدوا العجل ، فتورعوا عن الحقير ، وفعلوا الأمر الكبير .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{قَالُواْ مَآ أَخۡلَفۡنَا مَوۡعِدَكَ بِمَلۡكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلۡنَآ أَوۡزَارٗا مِّن زِينَةِ ٱلۡقَوۡمِ فَقَذَفۡنَٰهَا فَكَذَٰلِكَ أَلۡقَى ٱلسَّامِرِيُّ} (87)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: قال قوم موسى لموسى: ما أخلفنا موعدك، يعنون بموعده: عهده الذي كان عهده إليهم... وقوله:"بِمِلْكِنا" يخبر جلّ ذكره عنهم أنهم أقروا على أنفسهم بالخطأ، وقالوا: إنا لم نطق حمل أنفسنا على الصواب، ولم نملك أمرنا حتى وقعنا في الذي وقعنا فيه من الفتنة...

وقوله: "وَلَكِنّا حُمّلْنا أوْزَارا مِنْ زِينَةِ القَوْمِ "يقول: ولكنا حملنا أثقالاً وأحمالاً من زينة القوم، يعنون من حليّ آل فرعون... وقوله: "فَقَذَفْناها" يقول: فألقينا تلك الأوزار من زينة القوم في الحفرة "فَكَذَلكَ ألْقَى السّامِرِيّ" يقول: فكما قذفنا نحن تلك الأثقال، فكذلك ألقى السامريّ ما كان معه من تربة حافر فرس جبريل.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم} قيل أثقالا {من زينة القوم} أي من حلي القبط... {فقذفناها} أي قذفنا ما حملنا من حليهم.

وقوله تعالى: {فكذلك ألقى السامري} أي كذلك قذف ما حمل السامري من حليهم. وجائز أن يكون قوله: {فكذلك ألقى السامري} ما أخذ من قبضته من أثر الرسول كقوله: {فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها} [طه: 96].

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما تشوف السامع إلى جوابهم، استأنف ذكره فقال: {قالوا}: لم يكن شيء من ذلك.

ولما كان المقصود من هذا السياق كله إظهار عظيم القدرة، عبر عن ذلك بقوله، حكاية عنهم للاعتراف بما قررهم موسى عليه السلام به من العناد معتذرين عنه بالقدرة، والاعتذار به لا يدفع العقوبة المرتبة على الذنب: {ما أخلفنا موعدك بملكنا} أي لقد صدقت فيما قلت، ولكنا لم نفعل ذلك ونحن بملك أمرنا -هذا على قراءة الجماعة بالكسر، وعلى قراءة نافع وعاصم بالفتح المعنى: ولنا ملكة نتصرف بها في أنفسنا، وعلى قراءة حمزة والكسائي بالضم كأنهم قالوا: ولنا سلطان قاهر لأمورنا- على أنهم قد ذكروا أن القراءات الثلاث لغات لمعنى واحد، قال في القاموس: ملكه يملكه ملكاً مثلثة: احتواه قادراً على الاستبداد به، والمعنى أن السامري زين لهم ذلك، ووسوس به الشيطان فما دروا إلا وقد تبعوه حتى كانوا كأنهم يقادون إليه بالسلاسل، وقيل هذا كلام من لم يعبده، اعتذروا بأنهم كانوا قليلاً، لا قدرة لهم على مقاومة من عبده، وهذا كله إشارة إلى أنه تعالى هو المتصرف في القلوب، فهو قادر على أن يرد كفار قريش والعرب من بعد عنادهم، ولددهم وفسادهم {ولكنا} كنا {حملنا أوزاراً} أي أثقالاً من النقدين هي أسباب الآثام... {من زينة القوم} الذين لم نكن نعرف قوماً غيرهم، وغيرهم ليس حقيقاً بإطلاق هذا اللفظ عليه وهم القبط، فقضى لنا أن نقذفها في النار، وتوفرت الدواعي على ذلك واشتدت بحيث لم نتمالك {فقذفناها فكذلك} أي فتعقب هذا أنه مثل ذلك الإلقاء {ألقى السامري} وهو لصيق انضم إليهم من قبط مصر، ألقى ما كان معه، إما من المال وإما من أثر الرسول، كما مضى و يأتي، وكأن إلقاءه كان آخراً.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

عندئذ يعتذرون بذلك العذر العجيب، الذي يكشف عن أثر الاستعباد الطويل، والتخلخل النفسي والسخف العقلي: (قالوا: ما أخلفنا موعدك بملكنا) فلقد كان الأمر أكبر من طاقتنا! (ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها).. وقد حملوا معهم أكداسا من حلي المصريات كانت عارية عند نسائهم فحملنها معهن. فهم يشيرون إلى هذه الأحمال. ويقولون: لقد قذفناها تخلصا منها لأنها حرام.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

نفوا أنهم أخلفوا موعدهم مختارين مريدين، بل كانوا تحت تأثير إغراء شديد وتضليل كبير، وعبروا عن فقدهم لإرادتهم الحرة الخالية من الإغراء بقول {بملكنا} قرئت بفتح الميم ويكسرها وبضمها، والمراد أنهم ما أخلفوا وعدك في الوحدانية واستقامة النفس والفكر بإرادتهم الحرة المختارة، ولكن بإغراء. وفي هذا اعتراف بالجريمة، واعتراف آخر بأنهم ارتكبوها وإرادتهم مسلوبة بإغراء شديد، ولو كانوا أمام قاض من قضاة الدنيا لأخذهم باعترافهم، واعتذارهم بأنهم كانوا مغرورين ومخدوعين لا يخليهم من العقاب بل يقرره عليهم ويثبته، فالعبرة في الجريمة بالاختيار، وقد كان الاختيار من غير إكراه ولا يُعد الغرور إكراها. وخصوصا أنهم هم الذين قدموا سبب التضليل، وقالوا: {ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري}. الاستدراك هنا استدراك من اعترافهم يتضمن الاعتذار عن ضعف إرادتهم، وضلال نفوسهم، وهو اعتذار سخيف كشأن بني إسرائيل في كل الأزمان.