التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

ثم وجه - سبحانه - بعد ذلك خطابه إلى حفصة وعائشة ، فأمرهما بالتوبة عما صدر منهما .

فقال : { إِن تَتُوبَآ إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } .

ولفظ { صَغَتْ } بمعنى مالت وانحرفت عن الواجب عليهما . يقال صغا فلان يصغو ويصغى صغوا ، إذا مال نحو شىء معين . ويقال : صغت : الشمس ، إذا مالت نحو الغروب ، ومنه قوله - تعالى - : { ولتصغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة } وجواب الشرط محذوف ، والتقدير : إن تتوبا إلى الله ، فلتوبتكما موجب أو سبب ، فقد مالت قلوبكما عن الحق ، وانحرفت عما يجب عليكما نحو الرسول - صلى الله عليه وسلم - من كتمان لسره ، ومن حرص على راحته ، ومن احترام لكل تصرف من تصرفاته .

. . وجاء الخطاب لهما على سبيل الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ، مبالغة فى المعاتبة ، فإن المبالغ فى ذلك يوجه الخطاب إلى من يريد معاتبته مباشرة .

وقال - سبحانه - { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } بصيغة الجمع للقلوب ، ولم يقل قلبا كما بالتثنية ، لكراهة اجتماع تثنيتين فيما هو كالكلمة الواحدة ، مع ظهور المراد ، وأمن اللبس .

ثم ساق - سبحانه - ما هو أشد فى التحذير والتأديب فقال : { إِن تَتُوبَآ إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } .

وقوله { تَظَاهَرَا } أصله تتظاهرا فحذفت إحدى التاءين تخفيفا . والمراد بالتظاهر : التعاون والتآزر ، يقال : ظاهر فلان فلانا إذا أعانه على ما يريده ، وأصله من الظهر ، لأن من يعين غيره فكأنه يشد ظهره ، ويقوى أمره

قال - تعالى - : { إِلاَّ الذين عَاهَدتُّم مِّنَ المشركين ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فأتموا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلى مُدَّتِهِمْ } وجواب الشرط - أيضا - محذوف - أى : وإن تتعاونا عليه بما يزعجه ، ويغضبه ، من الإفراط فى الغيرة ، وإفشاء سره . فلا يعدم ناصرا ولا معينا بل سيجد الناصر الذى ينصره عليكما ، فإن الله - تعالى - { هُوَ مَوْلاَهُ } أى : ناصره ومعينه { وَجِبْرِيلُ } كذلك ناصره ومعينه عليكما .

{ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } أى : وكذلك الصالحون من المؤمنين من أنصاره وأعوانه .

{ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } أى : والملائكة بعد نصر الله - تعالى - له ، وبعد نصر جبريل وصالح المؤمنين له ، مؤيدونه ومناصرونه وواقفون فى صفه ضدكما .

وفى هذه الآية الكريمة أقوى ألوان النصر والتأييد للرسول - صلى الله عليه وسلم - وأسمى ما يتصوره الإنسان من تكريم الله - تعالى - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ومن غيرته - عز وجل - عليه ، ومن دفاعه عنه - صلى الله عليه وسلم - .

وفيها تعريض بأن من يحاول إغضاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإن لا يكون من صالح المؤمنين .

وقوله : { وَجِبْرِيلُ } مبتدأ ، وقوله : { وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ } معطوف عليه .

وقوله : { بَعْدَ ذَلِكَ } متعلق بقوله { ظَهِيرٌ } الذى هو خبر عن الجميع .

وقد جاء بلفظ المفرد ، لأن صيغة فعيل يستوى فيها الواحد وغيره . فكأنه - تعالى - قال : الجمع بعد ذلك مظاهرون له ، واختير الإفراد للإشعار بأنهم جميعا كالشىء الواحد فى تأييده ونصرته ، وبأنهم يد واحدة على من يعاديه .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : قوله : { بَعْدَ ذَلِكَ } تعظيم للملائكة ومظاهرتهم ، وقد تقدمت نصرة الله وجبريل وصالح المؤمنين ، ونصرة الله - تعالى - أعظم وأعظم ؟

قلت : مظاهرة الملائكة من جملة نصرة الله ، فكأنه فضل نصرته - تعالى - بهم وبمظاهرتهم على غيرها من وجوه نصرته ، لفضلهم . . " .

وخص جبريل بالذكر مع أنه من الملائكة ، للتنويه بمزيد فضله ، فهو أمين الوحى ، والمبلغ عن الله - تعالى - إلى رسله .

هذا ، ومما يدل على أن الخطاب فى قوله - تعالى - : { إِن تَتُوبَآ إِلَى الله } ، لحفصة وعائشة ، ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن ابن عباس أنه قال : لم أزل حريصا على أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللتين قال الله - تعالى - فيهما : { إِن تَتُوبَآ إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } .

فلما كان ببعض الطريق . . . قلت : يا أمير المؤمنين ، من المرأتان من أزواج النبى - صلى الله عليه وسلم - اللتان قال الله تعالى - فيهما : { إِن تَتُوبَآ إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } .

فقال عمر : واعجبا لك يا ابن عباس . . . هما حفصة وعائشة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{إن تتوبا إلى الله} يعني حفصة وعائشة {فقد صغت قلوبكما} يعني مالت قلوبكما {وإن تظاهرا عليه} يعني تعاونتما على معصية النبي صلى الله عليه وسلم وأذاه {فإن الله هو مولاه} يعني وليه {وجبريل} صلى الله عليه وسلم {وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير} آية للنبي صلى الله عليه وسلم يعني أعوانا للنبي صلى الله عليه وسلم عليكما إن تظاهرتما عليه فلما نزلت هذه الآية هم النبي صلى الله عليه وسلم بطلاق حفصة حين أبدأت عليه. قال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: لو علم الله في آل عمر خيرا ما طلقت حفصة، فنزل جبريل على النبي، صلى الله عليهما، فقال لا تطلقها: فإنها صوامة قوامة وهي من نسائك في الجنة، فأمسكها النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: إن تتوبا إلى الله أيتها المرأتان فقد مالت قلوبكما إلى محبة ما كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم من اجتنابه جاريته، وتحريمها على نفسه، أو تحريم ما كان له حلالاً مما حرّمه على نفسه بسبب حفصة... عن ابن عباس، قوله: طإنْ تَتُوبا إلى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما" يقول: زاغت قلوبكما، يقول: قد أثمت قلوبكما...

قال: ابن زيد، قال الله عزّ وجلّ: "إنْ تَتُوبا إلى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما" قال: سرهما أن يجتنب رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريته، وذلك لهما موافق صَغَتْ قُلُوبَكُما إلى أن سرّهما ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقوله: "وَإنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ" يقول تعالى ذكره للتي أسّر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه، والتي أفشت إليها حديثه، وهما عائشة وحفصة رضي الله عنهما...

حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا: حدثنا عمر بن يونس، قال: حدثنا عكرمة بن عمار، قال: حدثنا سماك أبو زميل، قال: ثني عبد الله بن عباس، قال: ثني عمر بن الخطاب، قال: لما اعتزل نبيّ الله صلى الله عليه وسلم نساءه، دخلت عليه وأنا أرى في وجهه الغضب، فقلت: يا رسول الله ما شقّ عليك من شأن النساء، فلئن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته، وجبرائيل وميكائيل، وأنا وأبو بكر معك، وقلما تكلمت وأحمد الله بكلام، إلا رجوت أن يكون الله مصدّق قولي، فنزلت هذه الآية، آية التخيير: "عَسَى رَبّهُ إنْ طَلّقَكُنّ أنْ يُبْدِلَهُ أزْوَاجا خَيْرا مِنْكُنّ، وَإنْ تَظاهَرَا عَلَيْهِ فإنّ اللّهَ هُوَ مُوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ المُؤمِنِينَ" الآية، وكانت عائشة ابنة أبي بكر وحفصة تتظاهران على سائر نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم.

[عن] الضحاك يقول في قوله: "وَإنْ تَظَاهَرَ عَلَيْهِ" يقول: على معصية النبيّ صلى الله عليه وسلم وأذاه...

وقوله: "فإنّ اللّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ المُؤمِنِينَ" يقول: فإن الله هو وليه وناصره، وصالح المؤمنين، وخيار المؤمنين أيضا مولاه وناصره.

وقيل: عني بصالح المؤمنين في هذا الموضع: أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما...

وقال آخرون: عُنِي بصالح المؤمنين: الأنبياء صلوات الله عليهم... والصواب من القول في ذلك عندي: أن قوله: "وَصَالِحُ المُؤمِنِينَ" وإن كان في لفظ واحد، فإنه بمعنى الجميع...

وقوله: "وَالمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلكَ ظَهِيرٌ" يقول: والملائكة مع جبريل وصالح المؤمنين لرسول الله صلى الله عليه وسلم أعوان على من آذاه، وأراد مساءته...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} في هذه الآية دلالة أن الحديث الذي أفشي كان بين زوجتين لقوله: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما}... {فقد صغت قلوبكما} أي مالت عن الحق الذي لرسول الله صلى الله عليه وسلم عليكما، وحق الرسول صلى الله عليه وسلم حق التعظيم، يرد فيه العتاب بأدنى تقصير...

{فإن الله هو مولاه} حق هذا أن نقف عليه، ثم نقول: {وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيرا} حتى لا يتوهم أن غير الله مولاه. ثم ذكر هذا أبلغ في التهويل، وإلا كان من هؤلاء المذكورين يكفي لأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك في ذكر عقوبتهن، إذا وجد منهن الخلاف... {وصالح المؤمنين} هم الذين يقومون بالمعونات في أمر الدين...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{والملائكة} على تكاثر عددهم، وامتلاء السموات من جموعهم {بَعْدَ ذَلِكَ} بعد نصرة الله وناموسه وصالحي المؤمنين {ظَهِيرٌ} فوج مظاهر له، كأنهم يد واحدة على من يعاديه، فما يبلغ تظاهر امرأتين علي من هؤلاء ظهراؤه؟ فإن قلت: قوله: {بَعْدَ ذَلِكَ} تعظيم للملائكة ومظاهرتهم. وقد تقدّمت نصرة الله وجبريل وصالح المؤمنين، ونصرة الله تعالى أعظم وأعظم. قلت: مظاهرة الملائكة من جملة نصرة الله، فكأنه فضل نصرته تعالى بهم وبمظاهرتهم على غيرها من وجوه نصرته تعالى، لفضلهم على جميع خلقه...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

المولى: الناصر المعين... {وجبريل وصالح المؤمنين} يحتمل أن يكون عطفاً على اسم الله تعالى في قوله: {هو}، فيكون {جبريل وصالح المؤمنين} في الولاية، ويحتمل أن يكون {جبريل} رفعاً بالابتداء، وما بعده عطف عليه، و {ظهير} الخبر فيكون حينئذ من الظهراء لا في الولاية ويختص بأنه مولى الله تعالى...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{إن تتوبا} أي يا عائشة ويا حفصة مما صنعته حفصة بالإفشاء وعائشة بالاحتيال على المنع من شرب العسل والتحليف على مارية {إلى الله} أي الملك الذي أحاط علمه فجلت قدرته ولطف بهما لأجله صلى الله عليه وسلم غاية اللطف في قوله: {فقد صغت} أي مالت وغاضت بما صاغت {قلوبكما} وفي جمع القلوب جمع كثرة تأكيد لما فهمته من ميل القلب بكثرة المعارف بما أفادهما إظهار هذا السر والعتاب عليه من الحياء، فصارتا جديرتين بالمبادرة إلى التوبة متأهلتين لذلك غاية التأهل...

. {وإن تظاهرا} بالتشديد للإدغام في قراءة الجماعة لأن التظهر هنا إن وقع كان على وجه الخفاء في أعمال الحيلة في أمر مارية رضي الله عنها والعسل وما يأتي من مثل ذلك ما يبعث عليه الغيرة {عليه} أي النبي صلى الله عليه وسلم المنبأ من قبل الله بما يرفع قدره ويعلي ذكره...

{فإن الله} أي الملك الأعظم الذي لا كفوء له {هو} أي بنفسه الأقدس وحضرة غيب غيبه التي لا يقوم لما لها من العظمة شيء {مولاه} أي ناصره والمتولي من أمره ما يتولاه القريب الصديق القادر...

{وجبريل} لأنه من أعظم الأسباب التي يقيمها الله سبحانه...

{وصالح المؤمنين} أي الراسخين في رتبة الإيمان والصلاح من الإنس والجن وأبواهما رضي الله عنهما أعظم مراد بهذا...

{والملائكة} أي كلهم ومنهم جبريل عليهم الصلاة والسلام فهو مذكور خصوصاً وعموماً ثلاث مرات إظهاراً لشدة محبته وموالاته للنبي صلى الله عليه وسلم...

{بعد ذلك} أي الأمر العظيم الذي تقدم ذكره وهو مظاهرة الله ومن ذكر معه {ظهير} أخبر عن الجمع باسم الجنس إشارة إلى أنهم على كلمة واحدة في المظاهرة، فخوف بهذا كله لأجل المتاب لطفاً به صلى الله عليه وسلم وإظهاراً لعظمته وفي قصة صاحب ياسين قال {وما أنزلنا على قومه} الآية، تحقيراً لقومه وإهانة لهم، ويجوز أن يكون "ظهير " خبر جبريل عليه الصلاة والسلام، وخبر ما بعده محذوف لدلالته عليه أي كذلك...

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

{وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} وتَظهرا أي تتعاونَا عليهِ بما يسوؤه من الإفراطِ في الغيرةِ وإفشاءِ سرِّه {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مولاه وَجِبْرِيلُ وصالح المُؤْمِنِينَ}...

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

فكأنه قيل: فإن تظاهرا عليه لا يضر ذلك في أمره، فإن الله تعالى هو مولاه وناصره في أمر دينه وسائر شؤونه على كل من يتصدى لما يكرهه {وَجِبْرِيلُ وصالح الْمُؤْمِنِينَ والملائكة بَعْدَ ذلك} مظاهرون له ومعينون إياه كذلك، ويلائم هذا ترك ذكر المعان عليه حيث لم يقل ظهير له عليكما مثلاً، وكذا ترك ذكر المعان فيه وتخصيص صالح المؤمنين بالذكر، وتقوى هذه الملاءمة على ما روي عن ابن جبير من تفسير صالح المؤمنين بمن بريء من النفاق فتأمل...

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

{إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} الخطاب للزوجتين الكريمتين من أزواجه صلى الله عليه وسلم عائشة وحفصة رضي الله عنهما، كانتا سببًا لتحريم النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه ما يحبه، فعرض الله عليهما التوبة، وعاتبهما على ذلك، وأخبرهما أن قلوبهما قد صغت أي: مالت وانحرفت عما ينبغي لهن، من الورع والأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم، واحترامه، وأن لا يشققن عليه، {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} أي: تعاونا على ما يشق عليه، ويستمر هذا الأمر منكن، {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} أي: الجميع أعوان للرسول، مظاهرون، ومن كان هؤلاء أعوانه فهو المنصور، وغيره ممن يناوئه مخذول وفي هذا أكبر فضيلة وشرف لسيد المرسلين، حيث جعل الباري نفسه [الكريمة]، وخواص خلقه، أعوانًا لهذا الرسول الكريم. وهذا فيه من التحذير للزوجتين الكريمتين ما لا يخفى، ثم خوفهما أيضا، بحالة تشق على النساء غاية المشقة، وهو الطلاق، الذي هو أكبر شيء عليهن، فقال: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ}...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما. وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير).. وحين نتجاوز صدر الخطاب، ودعوتهما إلى التوبة لتعود قلوبهما فتميل إلى الله، فقد بعدت عنه بما كان منها.. حين نتجاوز هذه الدعوة إلى التوبة نجد حملة ضخمة هائلة وتهديدا رعيبا مخيفا.. ومن هذه الحملة الضخمة الهائلة ندرك عمق الحادث وأثره في قلب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] حتى احتاج الأمر إلى إعلان موالاة الله وجبريل وصالح المؤمنين. والملائكة بعد ذلك ظهير! ليطيب خاطر الرسول [صلى الله عليه وسلم] ويحس بالطمأنينة والراحة من ذلك الأمر الخطير! ولا بد أن الموقف في حس رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وفي محيطه كان من الضخامة والعمق والتأثير إلى الحد الذي يتناسب مع هذه الحملة...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وفيه إيماء إلى أن فيما فعَلَتَاه انحرافاً عن أدب المعاشرة الذي أمر الله به وأن عليهما أن تتوبا مما صنعتاه ليقع بذلك صلاح ما فسد من قلوبهما...

{وإن تظّاهرا عليه} هو ضد {إن تتوبا} أي وإن تصرّا على العود إلى تألبكما عليه فإن الله مولاه الخ...

والمظاهرة: التعاون... وضمير الفصل في قوله: {هو مولاه} يفيد القصر على تقدير حصول الشرط، أي إن تظاهرتما متناصرتين عليه فإن الله هو ناصره لا أنتما... وفائدة ذكر الملائكة بعد ذكر تأييد الله وجبريل وصالح والمؤمنين أن المذكورين قبلهم ظاهره آثار تأييدهم بوحي الله للنبي صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل ونصره إياه بواسطة المؤمنين فنبه الله المرأتين على تأييد آخر غيرِ ظاهرة آثاره وهو تأييد الملائكة بالنصر في يوم بدر وغير النصر من الاستغفار في السماوات...

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

في هذه الآية الكريمة إنذار صريح بعاقبة التجني على رسوله الأمين، واشتباك في الحرب مع الله والملائكة والمؤمنين، وفي خلال هذه الآيات البينات وجه كتاب الله الخطاب مباشرة إلى الزوجتين اللتين كان لهما أثر في إثارة هذا الحادث، يدعوهما من الآن فصاعدا إلى تجنب فلتات اللسان، والتحفظ في كل ما ينبغي فيه التحفظ والكتمان، حفظا لذات البين بين جميع أمهات المؤمنين، عليهن الرحمة والرضوان، فقال تعالى مشعرا لهما بوجوب المبادرة إلى التوبة مما فرط منهما في حق الرسول عليه السلام، وداعيا لهما إلى الاعتصام بحسن الظن وصفاء السريرة على الدوام: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما}...