ثم بين القرآن أن الناصحين قد أمروهم بالمعروف بعد أن نهوهم عن المنكر فقال :
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَآ آمَنَ الناس قالوا أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ السفهآء ألا إِنَّهُمْ هُمُ السفهآء } .
المراد من الناس : المؤمنون بالرسول صلى الله عليه وسلم الصادقون في إيمانهم .
السفهاء : جمع سفيه ، وأصل السفه : الخفة والرقة والتحرك والاضطراب يقال : ثوب سفيه ، إذا كان رديء النسج خفيفه ، أو كان بالياً رقيقاً . وتسفهت الريح الشجر . أي : مالت به . وزمام سفيه : كثير الاضطراب ، لمنازعة الناقة إياه ، وشاع في خفة العقل وضعف الرأي .
وهو المعنى المقصود بالسفهاء في الآية . فقد كان المنافقون يصفون المسلمين بذلك فيما بينهم . وروى أنهم كانوا يقولون : أنؤمن كما آمن سفيه بني فلان ، وسفيه بني فلان ؟ ! فأوحى الله للنبي صلى الله عليه وسلم بهذا الذي كانوا يقولونه .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم وصفوهم بالسفه وهم العقلاء المراجيح ؟ قلت لأن المنافقين لجهلهم وإخلالهم بالنظر ، اعتقدوا أن ما هم فيه هو الحق ، وأن ما عداه باطل ، ومن ركب متن الباطل كان سفيهاً ، ولأنهم كانوا في رياسة من قومهم ويسار ، وكان أكثر المؤمنين فقراء ومنهم موال كصهبب وبلال وخباب ، فدعوهم سفهاء تحقيراً لشأنهم اه ملخصاً . وقد رد الله عليهم بما يكبتهم ويفضحهم فقال : { ألا إِنَّهُمْ هُمُ السفهآء ولكن لاَّ يَعْلَمُونَ } لأنهم أعرضوا عن النظر في الدليل وباعوا آخرتهم بدنياهم ، وهذا أقصى ما يبلغه الإِنسان من سفه العقل . وقد تضمن هذا الرد تسفيههم وتكذيبهم في دعوى سفه الصادقين في إيمانهم ، فإن قوله - تعالى - { ألا إِنَّهُمْ هُمُ السفهآء } يفيد أن السفه مقصور عليهم فلا يتجاوزهم إلى المؤمنين ، وقد تضمنت هذه الجملة من المؤكدات ما تضمنته الجملة السابقة في قوله تعالى - { ألا إِنَّهُمْ هُمُ المفسدون } .
ومن صفتهم كذلك التطاول والتعالي على عامة الناس ، ليكسبوا لأنفسهم مقاما زائفا في أعين الناس :
( وإذا قيل لهم : آمنوا كما آمن الناس ، قالوا : أنؤمن كما آمن السفهاء ؟ ألا إنهم هم السفهاء ، ولكن لا يعلمون ) . .
وواضح أن الدعوة التي كانت موجهة إليهم في المدينة هي أن يؤمنوا الإيمان الخالص المستقيم المتجرد من الأهواء . إيمان المخلصين الذين دخلوا في السلم كافة ، وأسلموا وجوههم لله ، وفتحوا صدورهم لرسول الله [ ص ] يوجههم فيستجيبون بكليتهم مخلصين متجردين . . هؤلاء هم الناس الذين كان المنافقون يدعون ليؤمنوا مثلهم هذا الإيمان الخالص الواضح المستقيم . .
وواضح أنهم كانوا يأنفون من هذا الاستسلام للرسول [ ص ] ويرونه خاصا بفقراء الناس غير لائق بالعلية ذوي المقام ! ومن ثم قالوا قولتهم هذه : ( أنؤمن كما آمن السفهاء ؟ ) . . ومن ثم جاءهم الرد الحاسم ، والتقرير الجازم :
( ألا إنهم هم السفهاء ، ولكن لا يعلمون ) . .
ومتى علم السفيه أنه سفيه ؟ ومتى استشعر المنحرف أنه بعيد عن المسلك القويم ؟ !
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ ( 13 )
المعنى صدقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وشرعه ، مثل ما صدقه المهاجرون والمحققون من أهل يثرب ، قالوا : أنكون كالذين خفت عقولهم ؟ والسفه الخفة والرقة الداعية إلى الخفة يقال «ثوب سفيه » إذا كان رقيقاً مهلهل النسج ، ومنه قول ذي الرمة : [ الطويل ]
مشين كما اهتزت رماح تسفهت . . . أعاليَها مرّ الرياح النواسم( {[237]} )
وهذا القول إنما كانوا يقولونه في خفاء فأطلع الله عليه نبيه والمؤمنين ، وقرر أن السفه ورقة الحلوم وفساد البصائر إنما هو في حيزهم وصفة لهم ، وأخبر أنهم لا يعلمون أنهم السفهاء للرَّين الذي على قلوبهم .
وقال قوم : «الآية نزلت في منافقي اليهود ، والمراد بالناس عبد الله بن سلام ومن أسلم من بني إسرائيل » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.